|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  18 / 10 / 2024                                 علي المسعود                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

"أخفاء صدام حسين"
فيلم للمخرج الكردي هلكوت مصطفى يسرد فترة أختفاء الديكتاتور

علي المسعود  (*)
(موقع الناس)

القبض على الدكتاتور العراقي صدام حسين من قبل القوات الأمريكية في ديسمبر 2003 بعد مطاردة استمرت تسعة أشهر هي قصة لعبت على مرأى ومسمع من العالم . وحقيقة العثور عليه مختبئا في حفرة صغيرة في مزرعة على بعد تسعة أميال خارج مسقط رأسه في تكريت - عالم بعيد عن بذخ قصوره الرئاسية . ‏

وبعد عقدين من الزمن المخرج النرويجي الكردي هلكوت مصطفى يسلط الضوء من جديد على تلك الأحداث من وجهة نظر المزارع علاء نامق، الذي آوى صدام حسين لمدة 235 يوما. يجمع ‏‏فيلم "إخفاء صدام حسين‏‏" بين نوع من الاعتراف المباشر أمام الكاميرا مع عرض الصور واللقطات الأرشيفية .

عملية "الفجر الأحمر"
توارى الرئيس العراقي السابق عن الأنظار بعد فترة وجيزة من غزو العراق عام 2003 . وبدأ جيش الأحتلال الأمريكي في مطاردته بعد أن وصفه الجيش الأميركي بأنه "الهدف رقم واحد الأعلى قيمة" وبدأت إحدى أكبر عمليات البحث في التاريخ . العملية العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة وألقت القبض على صدام حسين . كان ذلك في 13 ديسمبر 2003 في بلدة الدور بالعراق. سميت العملية على اسم فيلم "الفجر الأحمر" الذي صدر عام 1984. نفذت المهمة من قبل فرقة العمليات المشتركة 121 بدعم من فريق اللواء القتالي الأول من فرقة المشاة الرابعة بقيادة اللواء ريموند أوديرنو. وعثر على صدام حسين مختبئاً في حفرة صغيرة في شمال مدينة الدور وأٌلقي القبض عليه من دون مقاومة. فيلم "إخفاء صدام حسين " وثائقي نرويجي يروي قصة علاء نامق، ذلك الفلاح الذي تمكن من إخفاء الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين 235 يوماً في حفرة تقع جنوب تكريت، بينما كان 150 ألف جندي أميركي يبحثون عنه . الفيلم من إخراج هلكوت مصطفى المخرج الكردي النرويجي الجنسية . الذي أكد قوله: "رأينا صدام الدكتاتور الذي حكم العراق 35 سنة، ولكننا لم نكن نعلم ماذا حدث في أيامه الأخيرة، لذلك كان من المهم بالنسبة لي كمخرج أن أُريّ العالم تلك الأيام، والفيلم لا يتحدث عن صدام، إنما عن قصة علاء نامق ".

تبدأ أحداث الفيلم الوثائقي بعرض مشاهد مؤرشفة ترصد لحظة دخول الجيش الأمريكي إلى العراق بحجة وجود أسلحة نووية، ثم يتتبع العمل هروب صدام حسين عابرًا الأنهار والجبال، ليلجأ في النهاية إلى مزرعة نائية عاش فيها بحفرة في جنوب تكريت لمدة 8 أشهر من أبريل/نيسان وحتى ديسمبر/كانون الأول 2003 .عندما جاء الرئيس المخلوع صدام حسين وحراسه لأول مرة يطرقون باب نامق . يجلس علاء نامق الخمسيني بزيه العربي ويروي كيف طلب منه إخوته مقابلة ضيف خاص . ويأخذ علاء على عاتقه مهمة الحامي والحارس لصدام . ينتهي بهم المطاف في كوخ الحقل الصغير الذي يصبح منزلهم المؤقت المشترك ، ويقوم علاء بحفر حفرة للأختباء . وسرعان ما أصبح علاء نامق ظله وحارسه وخادمه ، والطاهي ، والسكرتير ، والحلاق ، والحارس الشخصي لصدام حسين ، والاطلاع على تفاصيل عما كان يقوم به طوال أيامه داخل المزرعة، مثل كتابة الخطب الداعمة لمقاومة الاحتلال وتسجيلها على شرائط، ، حتى أنه تعلم التدريب على الاسعافات الاولية وزرق الأبر لمعالحة صدام في حال مرضة أو تعرضه لوعكة صحية .‏ في مرحلة ما، يتساءل نامق أمام الكاميرا عما إذا كان ينبغي عليه القيام بدور آخر - دور الخاطبة - معتقدا أن الزوجة ستكون مهمة في دعم ومساعدة الرئيس للقيامها بمهمات الطبخ أو الاستحمام . الآن في الخمسينيات من عمره ، يحكي كيف أصبح صديقا لواحدة من أكثر الشخصيات المطلوبة في العالم . ليس هناك شك في أن العلاقة كانت مبنية على الخوف، مع تقدم القصة ، يتضح أن علاء نامق معجب بالفعل بضيفه ، ولا يزال كذلك ، لأنه بصراحة أصبح مرتبطا به عاطفيا. يتذكر لقاءه بصدام حسين واستضافته - وفقا للعادات العشائرية ، لا يسأل الضيف أبدا عن المدة التي سيبقى فيها .

مهمة العثور على علاء نامق
ثمانية عشر عاما، كانت القوات الأميركية الغازية تبحث في العراق عن رئيسها المخلوع صدام حسين الذي اختفى على ما يبدو عن الأنظار حتى العثور عليه أخيرا في بلدة الدور ، يعيش في مخبأ حفره سائقه وحارسه الشخصي بين أشجار التمر في بستانه. وأخفى علاء نامق (50 عاما) صدام لمدة 235 يوما قبل أن يتعقبه الأمريكيون في عام 2003 وأعدموه بعد ثلاث سنوات . صرح المخرج هلكوت مصطفى : فيما يتعلق بفيلم "إخفاء صدام حسين" كان مهماً جداً بالنسبة لي الكشف عن حقيقة الحفرة، وما وراء قصتها. "بحثت عن علاء نامق عامين الفلاح الذي قام بحفرها وأخفى صدام حسين فيها ، أما إنتاج الفيلم فقد استغرق عشرة أعوام، وشاهدت خلالها أكثر من ثلاثة آلاف ساعة من أرشيف العراق واطلعت على خمسة عشر ألف وثيقة عن البلاد " وأضاف "صحيفة واشنطن بوست ذكرت اسم علاء لأول مرة عام 2012، وكان مهماً بالنسبة لي أن أبحث عن علاء . تمكنت من الحصول على رقم هاتف رئيس عشيرته عبر وسائل إعلام، وبذلك تمكنت من العثور عليه واللقاء به. ما كان مهماً بالنسبة لي هو معرفة ما حدث خلال الفترة التي كان صدام يعيش خلالها في الحفرة، وما الذي كان يقوم به، وأن يعرف العالم نهاية الأشخاص الذي يتمتعون بسلطة كبيرة ويسيئون استخدامها. هناك تمكنت من الحافظ على توازني، وأن أسرد كمخرج للفيلم القصة الحقيقة والكاملة كما هي. أعتقد أن كل البشر لديهم الحق في معرفة قصة تلك الحفرة" . أقنع هلكوت مصطفى الفلاح علاء نامق بسرد قصته لأول مرة في هذا الفيلم الوثائقي ، وكان أنتاجه بالضرورة محاطا بالكثير من السرية لدرجة أنه حتى طاقم العمل لم يكن يعرف الموضوع الحقيقي للفيلم الذي كانوا يصنعونه .

استغرق مصطفى وقتا طويلا لتعقب نامق . حاول صحفيون آخرون الحصول على القصة كاملة، لكن نامق شعر بالراحة في التحدث إلى مصطفى أمام الكاميرا. لم يناقش فقط تفاصيل حفر الحفرة وأيامه مع الديكتاتور ، ولكن أيضا اعتقاله في سجن أبو غريب .وكان المخرج هلكوت قد بدأ بالفعل مهمته لمعرفة هوية الشخص الذي أخفى حسين لمدة ثمانية أشهر تقريبا عندما كشفت صحيفة واشنطن بوست عن اسم نامق لأول مرة في عام 2012.‏ ولكن بعد ذلك أمضى مصطفى عاما آخر في محاولة للعثور على المكان الذي كان يعيش فيه نامق بعد فراره من العراق، وبلغ ذروته في اجتماع مكثف استمر أربعة أيام في اسطنبول . يكشف هلكوت البداية حين قال : "في البداية ، كان لدي سؤال حقيقي واحد فقط . أردت أن أعرف من صنع الحفرة؟ ويسنكمل حديثه :‏ "في اليوم الثالث، كنا نتشاجر لأنني كردي هارب من العراق بسبب نظام صدام حسين وسلطته ، بينما كان علاء ينظر إلى صدام حسين على أنه رئيسه وقدوته . تشاجرنا وكان أيضا خائفا جدا من كيفية ظهور صورة صدام حسين من غضب أعوانه . لكن في النهاية، فهم أنني لا أنظر إلى صدام حسين، الرئيس السابق . أنا أبحث عن القصة وراء الحفرة".
نجح هلكوت في إقناع علاء بالامتناع عن بيع قصته لصحيفة أو برنامج إخباري تلفزيوني .وبدأ العمل الشاق الحقيقي الذي أمضى خلاله المخرج آلاف الساعات في التحقق المكثف من صحة كل ما قاله له نامق، والتحقق من معلومات أكثر من 3000 وثيقة مؤرشفة ، بعدها سافر أخيرا إلى العراق لتصوير الفيلم بالقرب من مزرعة نامق الفعلية في تكريت، وتكررت زياراته بما يقارب 24 مرة، ويعلق على تلك الجولات قائلاً : "ربما كان هذا هو الجزء الأكثر رعبا في العملية برمتها، لأننا أردنا التصوير بالقرب من مزرعة علاء الفعلية، لكن داعش استولى على المنطقة في عام 2014 . الجميع يتذكر تلك الصور الرهيبة لقطع الرؤوس ، ولم أرغب في المخاطرة بحياة أي شخص لمجرد أننا أردنا صنع فيلم وثائقي ". أضافة الى ذالك ، كان المخرج مصمما على إبقاء المشروع طي الكتمان .

الفيلم لا يحمل طابع سياسي
‏"إخفاء صدام حسين" هو فيلم وثائقي مقنع يقدم زاوية فريدة حول حدث تاريخي مهم . وبدلا من التركيز على المطاردة السياسية والعسكرية لصدام، فإنه يروي قصة علاء نامق ، المزارع الذي قام في أخفاء صدام لمدة ثمانية أشهر. مزيج من إعادة التمثيل واللقطات الأرشيفية يبقي المشاهد مشدوداً . يسلط الضوء على الرموز الثقافية والأخلاقية التي أثرت على أفعال علاء نامق . متابعة الفيلم تظهر كيف يمكن تشكيل التاريخ من قبل أفراد غير متوقعين وتبيان خياراتهم . بشكل عام ، "إخفاء صدام حسين" فرصة رائعة لأي شخص مهتم بالفروق الدقيقة في السلوك البشري في ظل ظروف غير عادية . وكيف نجح الفلاح التكريتي الذي أبقى الدكتاتور صدام حسين مختبئا . لم يفكر علاء نامق في شيء آخر غير الصداقة والفخر وقد كان بالكاد ينام ساعات قليلة ولمدة أشهر متتالية، يتنقل بين مخبأ صدام ومن ثم منزله مع زوجته وأطفاله الثلاثة على بعد 700 متر . يقول المخرج، إن الأهم بالنسبة له هو أن "هذا ليس فيلماً سياسياً إنما هو قصة عن فلاح جاء من طريق الصدفة ليكون الشخص الذي أخفى صدام حسين، حاولت خلاله أن أحكي القصة من منظور إنساني وأوضح العلاقة بين الفلاح والرئيس" .

المخرج هلكوت مصطفى لا يتعمق في الأيديولوجية أو السياسية على الإطلاق ، بالرغم من ألمخرج عانى اضطهاد صدام حسين وأجبر على مغادرة العراق ، لكنه لم يجعل الفيلم عن حاكم ديكتاتور هارب وجنود الأحتلال تطارده ويحتمي في مزرعة بحماية فلاح تناسى جرائمه وبطشه وقسوته . بهذه الطريقة ، قد يظهر علاء نامق على أنه ساذج بعض الشيء ، ويبرر ذالك بأنه فلاح وراعي غنم وليس له علاقة بالسياسة ، ولكنه شخص حقيقي ينقذ مواطنا من قوات غازية . وبالمثل ، يظهر الرئيس الهارب كشخص متواضع وبسيط إلى حد ما. إنه يتحمل سقوط بلاده ، ويتفاعل مع موت أبنائه على يد القوات الأمريكية حين يجهش بالبكاء ويواسية الفلاح علاء نامق . ربما هناك نقطة مهمة ، حقيقة أن الفيلم ليس مدفوعا بالإدانة المتوقعة لديكتاتور أرتكب الفظائع بحق شعبه . ولكن هل قال علاء نامق شهادته بصدق ؟ أم لازال مهددا ويخشى الأنتقام ؟ . شكوك كثيرة تحوم شهادته ولا سيما قيس النامق وشقيقه علاء المتهمان بالوشاية بصدام حسين وقبضهما مبلغ 25 مليون دولار من الجيش الأميركي مقابل تسليمهما صدام، لكن هذه جزئية لا يتطرق إليها الفيلم، مكتفياً بإلقاء اللوم على الضابط محمد إبراهيم رئيس جهاز الأمن الخاص لصدام، واعتباره من يتحمل مسؤولية إرشاد الأميركيين إلى المزرعة .

وعلق علاء نامق على قبوله المشاركة في الفيلم وعن الدافع وراء تصوير الفيلم الوثائقي بعد مرور 20 عاماً "هو أن يحكي تفاصيل القصة، وأن يقول الحقيقة وراء الحفرة كما أنه رد على الافتراءات والأكاذيب التي تم اختلاقها، وأن يضع حداً للاتهامات والضغوط التي طالته، حتى إن كلفه الأمر حياته في سبيل الحفاظ على أسرته وإخوته وأبنائه، ويكون لهم مستقبل أفضل ، كذلك كي تتوقف الاتهامات التي تلاحقنا أنا وأبنائي بوصفه الخائن وأبناء الخائن ، وكان محتماً أن أقول الحقيقة، وجاءت الآن الفرصة المناسبة من خلال الفيلم الوثائقي " . تم خطف أخيه لمدة 33 يوماً، ، إضافة إلى محاولات طالته لخطفه واغتياله مرات عدة، مؤكداً أن هذه الأحداث المأسوية التي عاشها مع أسرته كانت هي الأخرى من أسباب تصوير الفيلم لإظهار الحقيقة، وقد قال الكثير من المحللين والمراقبين إن عملية اعتقال صدام حسين لم تكن مفاجئة، وذلك بسبب تخلّي كل الأطراف وكل المقربين عنه، حتى من عائلته وعشيرته .

"هل ستبيعني؟"، يسأل الرئيس السابق عندما سلمه علاء نامق صحيفة ذات يوم حيث تم ذكر مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يدل على مكان صدام حسين. يبتسم المزارع مرة أخرى " أعتقد أنني سأنتظر حتى يرتفع السعر أكثر قليلا" إنها قصة صداقة بين حاكم ديكتاتور وفلاح مذعور والذي يحمل حياته بين يديه . في حين لا يرى الجميع أنه وسام نبل لإظهار هذا النوع من الولاء لديكتاتور بغيض مثل صدام حسين . يركز الثلث ألأخير من الفيلم على لقطات الحرب والتلفزيون، مثل كلمة الرئيس ألأمريكي جورج بوش الذي أعطى صدام إنذارا نهائيا لتسليمه بنفسه، وكذالك عرض الحاكم الأداري بول بريمر مكافأة قدرها 25 مليون دولار أمريكي لأي شخص لديه معلومات تؤدي إلى القبض على صدام، وأخيراً المؤتمر الصحفي لحظة اعلان القبض على صدام حسين . كما نرى الصور المزعجة للتعذيب في سجن أبو غريب ، حين احتجز علاء لمدة سبعة أشهر. وقيام جنود الأحتلال امريكي في التعذيب الجسدي والنفسي المروع والإهانة للسجناء العراقيين، والتقاط صور السيلفي وهم مبتسمين والمعتقلين عراة ورؤوسهم مغطاة بكيس أسود .

‏ فيلم "إخفاء صدام حسين" لا يحاول إضفاء الطابع الإنساني على نظام صدام حسين بل يسرد فترة أختفاءه حتى ليلة القبض عليه . إنها قصة صداقة بين حاكم ديكتاتور وفلاح مذعور والذي يحمل حياته بين يديه كان يمكن أن تكون حكاية خرافية . في حين لا يرى الجميع أنه وسام نبل لإظهار هذا النوع من الولاء لديكتاتور بغيض مثل صدام حسين . إذا كانت هناك مشكلة في الفيلم ، فقد تكون حيادية المخرج هالكاوت مصطفى الذي لا يتعمق في الأيديولوجية أو السياسية على الإطلاق أو حتى الفوضى التي رافقت أجتياح القوات الامريكية الغازية ومارافقها من من قتل وإغتيالات وتصفية للعلماء وضباط الجيش العراقي السابق والشخصيات الوطنية ، بالرغم من ألمخرج عانى اضطهاد صدام حسين الأكراد مما أرغمه على الفرار من العراق ، ويجعل الفيلم مجرد حاكم ديكتاتور هارب وجنود الأحتلال تطارده ويحتمي في مزرعة تحت حماية فلا ح تناسى جرائمه وبطشه وقسوته .

 

(*) كاتب عراقي \ مقيم في المملكة المتحدة
 







 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter