| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الثلاثاء 17 / 9 / 2024 علي المسعود كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
فيلم "شايدا" إستكشاف مروع لحياة امرأة إيرانية معنّفة
علي المسعود (*)
(موقع الناس)
"شايدا” فيلم من إخراج نورا نياساري، استكشاف مشحون عاطفيا لحياة شايدا، وهي امرأة مهاجرة إيرانية تعيش في أستراليا وتتصارع مع ماضي سيء، ينسج بشكل فعال سردا يتعمق في الموضوعات العالمية عن اضطهاد المرأة والسعي وراء الحرية . القصة مستوحاة من تجارب طفولة المخرجة نياساري الخاصة، تتكشف القصة في ملجأ للنساء حيث تربي الأم شايدا، التي تقوم بدورها الممثلة زارا أمير إبراهيمي، ابنتها منى (سيلينا زاهدينيا)، بينما تحاول التحرر من زوجها المسيء حسين (أسامة سامي) .
إمرأة تنشد الحرية
يتمتع الفيلم الطويل الأول للمخرجة الإيرانية الأسترالية نورا نياساري “شايدا” بدعم الممثلة كيت بلانشيت كواحدة من منتجيها التنفيذيين، وهو من تمثيل زار أمير إبراهيمي التي فازت بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان السينمائي عن فيلم “العنكبوت المقدس” للمخرج علي عباسي ، تحتاج الأفلام الاجتماعية التي تتابع كفاح الشخصيات الاجتماعي والجسدي والنفسي والفكري، إلى ممثلين من طراز خاص، يتقنون أدوارهم حتى صمتهم وبكل جزئية منهم. وهذا ما نراه في الأداء المميز للممثلة زارا أمير إبراهيمي في فيلم “شايدا” للمخرجة الإيرانية – الأسترالية نورا نياساري، مقدمة قصة كاشفة عن معاناة الكثير من النساء . تظهر إبراهيمي مشرقة وشجاعة في شخصية مهاجرة إيرانية تعيش في ملجأ للنساء في أستراليا وتكافح من أجل تربية ابنتها الصغيرة منى قدر استطاعتها، وفي نفس الوقت، تقاتل ضد زوج مسيء ومتشدد ومسيطر وتطلب الطلاق منه. يتم إحباط كل محاولة لبداية جديدة من جانب شايدا ويلوّح طليقها حسين بتهديدات كثيرة بعد أن حصل على حقوق الزيارة لابنته منى. وتصل الأمور إلى ذروتها عند الاحتفال بعيد نوروز (رأس السنة الفارسية) . تنجح المخرجة نياساري في تصوير العقليات التقليدية في المجتمع الإيراني التي تحط من مكانة المرأة، خاصة عندما تنصح والدة شايدا ابنتها بالتصالح مع حسين رغم عيوبه واستخدامه العنف ضد ابنتها، لكنها تضغط عليها لتقنعها بأنه سوف يصبح طبيبا قريبا. ولكن هل سيكون مؤهلاً بما يكفي ليكون زوجاً صالحًا؟ تلقي نياساري نظرة إنسانية ورحيمة ومتعاطفة على بطلتها وكذلك المجتمع، مستمدة مفردات فيلمها من تجربتها الشخصية .
دراما أسترالية تستند إلى قصة حقيقية حول العنف الموجه ضد النساء
تشير المخرجة نورا نياساري في تجربتها الأولى “شايدا” إلى القضايا الأعمق المحيطة بالطلاق والاعتداء الزوجي والعنف الجنسي وصراع الثقافات ونضال المرأة من أجل الاستقلال الذاتي. تفكر في تجارب طفولتها الشخصية في هذه القصة القوية والمفجعة. وكيف نشأت في ملجأ، وتستكشف كفاح والدتها في تربية طفلة صغيرة كامرأة إيرانية تسعى إلى الأمان من زوج مسيء ، كذلك يلقي الفيلم الضوء على الروابط الأعمق بين الأسرة والمعايير الأبوية التي تتحكم في حياة . حياة شايدا. يفكر زوجها أنه بعد أن ينهي دراسته في كلية الطب في جامعة أسترالية سيعود إلى إيران، لكن شايدا لديها خطط مختلفة. بعد تقديم طلب الطلاق من حسين، تبقى في ملجأ للنساء مع ابنتها منى ذات 6 سنوات .تخلع شايدا حجابها وتنشد حريتها في مجتمع جديد وهذا ما يحبط الزوج حسين. ولكن عندما تمنح المحكمة حسين حقوق الزيارة غير الخاضعة للإشراف، تخشى شيدا من أنه قد يختطف الابنة منى ويعود بها إلى إيران. يصبح حسين تهديدا لحرية شايدا التي تحاول الابتعاد عن التوقعات التي وضعتها لها ثقافتها ويجب أن تضمن عدم أخذ ابنتها .
تستند هذه الدراما الأسترالية إلى قصة حقيقية دارت في ضواحي أستراليا وتناظر إلى حد ما طفولة المخرجة نورا الخاصة، ولكن لها صدى معاصر لأنها تتعامل مع بعض الموضوعات الهامة. تتمحور قصة الفيلم حول شايدا المتزوجة من حسين الذي انتقل إلى أستراليا لدراسة الطب وأحضر زوجته وابنته الصغيرة منى معه، ولكن بسبب غطرسته ومعاملته الوحشية هربت وأخذت منى البالغة من العمر ست سنوات معها . تعيش شايدا في ملجأ للنساء المعنفات الذي تديره الأخصائية الاجتماعية المتعاطفة جويس (ليا بورسيل)وحين تمنح المحامية الزوج حسين حقوق الزيارة المؤقتة، يتصاعد التوتر حيث تصبح الأم خائفة من حرمانها من ابنتها. حسين رجل غيور، وعند نوبات الغضب يلجأ إلى العنف الجسدي مع شايدا وهذه جريمة يعاقب عليها القانون في بلد الاغتراب، كما شوهد خلال احتفال ليلة رأس السنة الفارسية عندما هجم على فرهاد (مجان أريا)، وهو زائر إيراني/كندي شاب كان يتحدث مع طليقته شايدا . تقضي شايدا أيامها في رعاية منى، والاستعداد لمعركة الحضانة ضد زوجها حسين مع محاولة الاحتفاظ بالتقاليد الإيرانية للبقاء على اتصال بثقافتها الأصلية. بينما تستعد للاحتفال بالعام الفارسي الجديد (نوروز)، تعلم أن القاضي قد منح حسين الحق في حضانة منى لبضع ساعات كل أسبوع. هذا الوضع الجديد، وصدمتها السابقة، يعقدان معركتها لخلق مساحة آمنة لنفسها وابنتها .
ظروف امرأة واحدة هي قصة العديد من النساء
الفيلم يستكشف الصعوبات التي تواجهها المرأة القادمة من مجتمع منغلق في كل منعطف أو خطوة ومكافحتها العنف المنزلي ،في عام 1995، تبدأ شايدا بالخلاص من قيد زوجها العنيف واعتداءاته المتكررة وتنتقل إلى ملجأ للنساء مع ابنتها الصغيرة منى وتلتقي مديرة الملجأ جويس، وسنعلم أن شايدا انتقلت إلى أستراليا مع زوجها الذي يتعمد إهانتها وضربها حتى أمام الطفلة، لذلك أخذت ابنتها وهربت بطريقة ما لإعادة بناء حياتها وحياة منى من الصفر. إنها تسعى إلى الطلاق على أساس العنف الجنسي وترد كلمة “اغتصاب” المذكورة في التهم، يحذرها حسين، “لا يمكنك البقاء هنا، والحصول على طلاقك والحفاظ على الطفلة" .عندما تتصل والدتها، تشعر شايدا بالحيرة لسماع منطقها في العفو عن زوجها والمغفرة لأنه لا يزال أبا جيدا، وتصر على عودة شايدا إلى زوجها حسين من أجل تجنب القيل والقال عنها. تقول لها والدتها على الهاتف “هل لديك أيّ فكرة عمّا يقوله الناس عنك؟”، تسأل، وخلصت إلى أنها “لا يمكن أن تكون قد فعلت شيئا خاطئا”، لأن هناك شائعات على طول الطريق إلى إيران. وفي الوقت نفسه، التقت أيضا بهذا الشاب فرهاد (موجيان أريا) الذي يحبها، لكنها لا تعرف ما إذا كانت مستعدة للتخلي عن ماضيها والشفاء من جروحه. في البداية، يمثل حسين بأنه تغير وأصبح رجلا جديدا ملتزما ومحسُنا وطيبا ويريد فقط أن يكون مع عائلته ويدعم أحلام زوجته، وهي أكاديمية سابقة مع منحة دراسية ألغتها العادات المحافظة بشكل مأساوي . بعد حصول الزوج حسين على قرار قضائي في الحق بزيارة ابنته منى دون إشراف، يثير ذلك الخوف عند شايدا، فخلال هذه الزيارات، يبدأ حسين ببطء في العودة إلى حياة شايدا، ويتدخل في حياتها ويتساءل مع من كانت تتواصل اجتماعيا، وأين تخرج وماذا ترتدي من الملابس، في حين أن مشاعر الزوجة من الكراهية والخوف تجاه حسين لا لبس فيها، يسعى الزوج الإيراني الذي أساء إليها جسديا وعقليا إلى حضانة ابنتهما منى، مع اقتراح أنه يعتزم سرا العودة إلى إيران معها بمجرد الانتهاء من دراسته الجامعية . يلتقط هذا الفيلم ظروف امرأة واحدة، هي قصة العديد من النساء في أجزاء عديدة من العالم. تتطرق المخرجة نياساري إلى العنف الجنسي والاعتداء الزوجي ونفاق النظام القضائي الذي يحمي الرجال دون النظر إلى سلامة النساء. تدرس المخرجة رحلة شايدا المعقدة الدقيقة كشخصية، وتخلق حقيقة تواجه العديد من النساء في جميع أنحاء العالم. يبدو أن العديد من النساء، تماما مثل شايدا، يتعرضن للاعتداء اللفظي والجسدي من شركائهن .
المخرجة تصور في فيلما بشكل جميل اندماج الثقافات والحب العميق والرفقة التي يتم رعايتها داخل ملجأ النساء ، تقوم شايدا ببناء أدلة لجلسة الحضانة، ولكن كيف يسمحالنظام القانوني الأسترالي إلى هذا الرجل الانتقامي من الاقتراب منها ومن الصغيرة؟ في الملجأ، تتعايش فيه مع مجموعة طيبة من النساء والأطفال الذين يشاركونها ظروفها، تلعب مقاطع فيديو الرقص على الأغاني الإيرانية في محاولة لجعلها تشعر وكأنها في بيتها، ورغم الحزن الذي يغمر روحها فإنها تستعيد بحماس ذكرياتها مع الاحتفال بعيد نوروز من خلال صنع الأكلة الإيرانية السابزي التقليدي على مدار عدة أسابيع . تلتقط المخرجة نياساري اللحظات الصغيرة التي تجد بها شايدا وطفلتها منى السعادة على الرغم من كفاحهما، وهذه المشاهد هي التي تجلب إحساسا حقيقيا بالأصالة في الفيلم. يصور الفيلم بشكل جميل اندماج الثقافات والحب العميق والرفقة التي يتم رعايتها داخل ملجأ النساء. يزيّن هذا الملجأ بألحان الموسيقى الفارسية. تشارك النساء وجبات أصيلة دافئة، يتعلمن الرقصات، ويساندن بعضهن البعض من خلال الدعم والتفاهم المتبادلين. يسلط الفيلم أيضا الضوء على اللطف الحقيقي والتواضع والتعايش مع عدة ثقافات مما يخلق سردا متعدد الأوجه وأصيلا حقا . تتمتع الممثلتان بكيمياء لا مثيل لها كأم وابنة، وغالبا ما يبدو أنهما تتحدثان إلى بعضهما البعض حتى دون قول كلمة واحدة. كانت زيارة السوق الفارسي محفوفة بالمخاطر والخوف بالنسبة إلى شايدا، حيث تتسابق بأسرع ما يمكن لملء سلة قبل أن يلاحظها أيّ شخص قد يتعرف عليها من الجالية الإيرانية في بيرث في أستراليا وتسمع كلاما جارحا، ترتدي النظارات الشمسية للتنكر وتنطلق في المتجر، قد يكون قلقها مبالغا فيه عندما يعرفها المحاسب في السوق .
يمكننا اعتبار الفيلم استكشافا مروعا لحياة امرأة إيرانية بعد هروبها من زوج مسيء في أستراليا. من المشهد الافتتاحي للفيلم حتى لحظاته الأخيرة، تظهر نياساري التعاطف مع التعامل بحساسية مع شخصياته. الفيلم كتبته أيضا نياساري وهو مليء بنفس القدر بالحب للثقافة الإيرانية والحنين إلى الوطن الأم. بدعم من أداء حساس وعاطفي من قبل الممثلة زهرة أمير إبراهيمي، تستكشف شايدا الرحلة المقلقة والمضنية لشخصية تحاول بناء حياة جديدة لنفسها ولطفلتها. ولكنها تعرض أيضا الطرق التي يؤثر بها العنف المنزلي على النساء من جميع أنحاء العالم . شايدا محاطة بنساء من خلفيات مختلفة أثناء إقامتهن في ملجأ النساء، كل واحدة منهن لها تجربة من خلال الصدمة المنزلية الخاصة بها. بالنسبة إلى شايدا، يتطلب الأمر كل قوة إرادتها للمضي قدما، وغالبا ما تكون مشلولة بسبب الخوف والهروب من المجتمع الإيراني في بلد الاغتراب، وخصوصا بعضهم ممن ينبذها لأنهم يرون طلاقها والتخلي عن الحجاب انحلالا أخلاقيا .
يركز الفيلم على المرأة والمعايير الاجتماعية والثقافية لإيران بلد المخرجة الأصلي وهو مكان تعيش فيه النساء مع عدم وجود استقلال قانوني وليس لديهن أيّ حماية من ممارسات العنف المنزلي، وعندما يقاومن تلك الممارسات والقوانين التمييزية، غالبا ما يتم القبض عليهن أو الحكم عليهن بالإعدام. من المحزن والمغضب كيفية معاملة النساء، تعبر نياساري بفعالية عن العذاب والرعب والضعف الذي يجب على الأم العازبة قريبا التعامل معه من أجل تحرير نفسها من سوء المعاملة .المخرجة نياساري لا تصور الإيرانيين بشكل نمطي أو تشوّه سمعتهم. فيلمها متجذّر في الواقع، ويتمتع بأصالة السياق الثقافي واللغوي، ومع ذلك، الفيلم يغلف مواقف تتسم بالحنين الجميل الى الوطن الأم. تكشف المخرجة نياساري في نصها المؤثر مركزة على الرابطة بين الأم وابنتها، فهي رقيقة وحنونة، ولكنها متحدية في محاولة اغتنام الفرصة وتحرير بعضهما البعض من أسرهما القسري. إنه لأمر مفجع أن ترى شايدا تواجه أسوأ مخاوفها بينما تحاول بناء مستقبل خالٍ من اليأس لطفلتها. اضطرت المخرجة أيضا إلى إدارة ظهرها لأرض ولادتها.
عندما كانت طفلة عانت الكاتبة والمخرجة نورا نياساري من التمزق والحزن من الاضطرار إلى ترك إيران والأصدقاء والعائلة وحلوى الزعفران لجدتها، وبناء حياة جديدة في الخارج مع والدتها. ويصبح من الواضح أكثر أن فيلم شايدا هي مشروع شخصي لنورا نياساري، التي شكلت تجارب طفولتها مع والدتها في ملجأ للنساء الأستراليات الحكاية التي ترويها في الفيلم .
في نهاية المطاف، الأمر كله يتعلق بالكرامة الإنسانية الأساسية وحقوق المرأة واختياراتها في الحياة، والحق في حضانة طفلها، الطفلة سيلينا زاهدينيا قدمت أداء مذهلاً في دور منى رغم كونه دورها الأول، وهناك كيمياء لا تصدق بينها وبين الممثلة زهرة إبراهيمي (شايدا). تحدثت الممثلة الايرانية (زارا إبراهيمي) عن الفيلم قائلة “كل هؤلاء النسوة في الملجأ ضحايا، يتشاركن نفس القصة تقريبا لأنهنً ضحايا لهذا النظام أيضا. هذا لا يتعلق فقط بإيران ، بل في كل مكان، وهذا يذكرني في الواقع بفيلم آخر شاهدته هذا العام (إن شاء الله ولد)، الذي يدور حول امرأة أردنية ولكنه يعامل الرجال والنساء على حد سواء كضحايا للنظام " .
(*) كاتب عراقي \ مقيم في المملكة المتحدة