|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  9 / 9 / 2016                             د. عامر صالح                                كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الإسلام السياسي بين تضحياته ودركه الأسفل !!!

د. عامر صالح
(موقع الناس)

لقد اعجبني الاسلام السياسي بنضالاته وتضحياته ضد الدكتاتورية الفاشية وبعناده المستميت من أجل تغيير الاوضاع في العراق حتى بات ينافس اليسار الشيوعي في مقارعته للدكتاتورية والقمع, وكانت طموحاته للخلاص من القمع والارهاب والفساد والتضييق على الحريات الشخصية لا تقل شأناً عن بقية أحزاب المعارضة أنذاك والطموحة لإسقاط النظام الدكناتوري الفاشي الذي عبث في الارض فسادا وظلما لعقود خلت. وقد استهوى نموذج الاسلام السياسي انذاك شرائح اجتماعية واسعة من الشباب وغيرهم للانظمام في صفوفه في ظل فراغ نسبي لقوى اليسار التي تعرضت لأشرس هجمة من النظام الدكتاتوري الفاشي, وكان الخطاب الديني الممزوج في السياسة سهل المضخ والهضم والتمثل بفعل تلبسه بخطاب السماء الماورائي وقدرته التمويهية لإستلاب العقل والارادة الشخصية وأنصياع مناصريه السهل وراء الغرائز البدائية ذات المسحة الحيوانية في الاعتقاد والايمان والخارجة فوق مسلمات النقد والنقد الذاتي !!!.

اليوم وبعد اسقاط النظام الدكتاتوري الفاشي وبعد إستلام الاسلام السياسي للسلطة السياسية بفعل الهندسة الامريكية للنظام القائم في العراق على أسس اسلاموية طائفية واثنية يحيي التطرف الإسلامي بمذاهبه المختلفة, وخاصة السنية المتطرفة تقاليد الكهنوت الديني في السبي والقتل والتهجير والتعذيب وإراقة الدماء, أنها نسخة طبق الأصل من أوربا القرون الوسطى في الأخلاق الدينية والتعسف والتفسخ الأخلاقي, ولكن الفرق اليوم بين الحدثين هو فرق قرون من الحضارة والتمدن. أؤكد هنا إن منطق الثأر والثأر المتبادل بين أبناء الدين الواحد, السني منه المتطرف والشيعي المتطرف المغالي " وخاصة في نموذج العراق بعد 2003 هو ابرز ما يعرقل مستقبل بلد بكامله, ويهدد أجيال قادمة في الاستقرار والعيش الكريم, إلى جانب الصراعات الاثنية والقومية الشوفينية التي تعيش على فتات صراع النظام الطائفي والمحاصاصاتي, وهي الأخرى تهدد بقائه !!!.

لعل نظرة متأنية وموضوعية منطلقة من روح الحرص على ما تبقى النواة المتواضعة "للنظام الديمقراطي " في العراق,تؤكد لنا أن نظام المحاصصة الطائفية والعرقية وما أنتجه من تعصب أعمى,ومنذ ولادته بعد 2003 لحد اليوم كان عائقا ومعطلا للعملية السياسية,حيث حلت في الممارسة العملية الانتماءات الضيقة محل " علم السياسة " لإدارة شؤون البلاد,مما جعل من أحزاب الطوائف والأعراق أمكنة للحشود البشرية وليست أمكنة لانتقاء وتدريب النخب السياسية لقيادة البلاد,وكأنها تعمل على قاعدة أن الحزب يساوي كل أبناء الطائفة أو العرق بما فيها من خيرين وأشرار,وتحولت إلى أمكنة للاحتماء بدلا من الاحتماء بالدولة والقضاء كمقومات للدولة العصرية,مما فوت الفرصة على الانتقاء والفرز على أساس الكفاءة السياسية والنزاهة,وليست لاعتبارات لا صلة لها ببناء دولة المواطنة,أنه سلوك يؤسس لمختلف الاختراقات السياسية والأمنية وشتى ألوان الاندساس.

كما أن نظام المحاصصة يعرقل جهود أي تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تقوم على منجزات العلوم الاقتصادية والاجتماعية ومنجزات التقدم التقني والتكنولوجي,وذلك من خلال إسناد المواقع الحساسة والمفصلية في الاقتصاد والدولة إلى رموز تنتمي طائفيا أو عرقيا ولا تنتمي إلى الكفاءات الوطنية أو التكنوقراط ولا تستند إلى انتقاء المواهب والقابليات الخاصة لإدارة الاقتصاد,بل حصرها بأفراد الطائفة أو إلى توافق من هذا النوع بين هذه الطائفة أو تلك ,أن هذه السياسة لا تؤسس إلى تنمية شاملة ,بل تؤسس إلى " إفساد للتنمية ",وقد عززت هذه السياسات من استفحال الفساد بمختلف مظاهره من سرقات وهدر للمال العام ومحسوبية ومنسوبيه وحتى الفساد الأخلاقي بواجهات دينية مزيفة لا صلة لها بالدين الحنيف,والأسوأ من ذلك حصر الامتيازات في دعاة كبار رجال الطائفة أو الحزب أو العرق وترك السواد الأعظم في فقر مدقع !!!,أن أدعاء الطائفية والعرقية لتحقيق العدالة الاجتماعية هو ادعاء باطل ,وان الفقر وعدم الاستقرار والقلق على المستقبل يلف الجميع باختلاف دينه ومذهبه وطائفته وعرقه!!!!.

أن الخندقة الدينية للنظام السياسي وما تسوق ورائها بالضرورة من خندقة مذهبية يعني بالتأكيد أن يلحق الغبن والتميز الديني والمذهبي لقسم هام وغير قليل من المواطنين,وهذا ناتج من أن النظام السياسي المتخندق مذهبيا يتخذ من دينه ومذهبه إطارا مرجعيا ومحكا لتقيم دين ومذهب الآخر.وهو خلاف المفهوم العصري للدولة التي لا تعرف المواطن إلا من خلال الأوراق الثبوتية التي تشير إلى اسمه الثلاثي أو الاسم واللقب, أي رمزيته وخصوصيته في سجل الأحوال المدنية.أما خلاف ذلك فنأتي بأفعال تدفعنا إلى البحث(النبش)والتنقيب عن دين الآخر ومذهبه, ونذهب بعيدا في فحص أوراقه الثبوتيه للتأكد من( سلامته)الدينية والمذهبية من خلال أسمه وأسم عائلته.وفي ذلك تجاوزا على حريته الشخصية وحرية معتقده ,والتي يفتخر بهما أي نظام ديمقراطي. ونحن نعرف أن الدين والمعتقد الديني هو حرية شخصية قد تعجبني وقد لا تعجبك, والجميع ورثها من آباءه وأجداده, فأنا شيعي, وأنت سني,وهذا مسيحي, أو صابئي أو يزيدي. ولا اعتقد أن احد منا بذل جهدا استثنائيا لكي يدرس حقيقة انتماءه الديني أو المذهبي لكي يفضي إلى تغيره, إذا ما توفرت القناعة لديه, بل نبحث عن أدلة لتكريسه, لأنه مكون جمعي.وبالتالي نرثه كما نرث خصائصنا الوراثية: لون العينين,شكل الأنف, لون الشعر, طول القامة وهكذا.....الخ.

وهكذا كان الاسلام السياسي بتطبيقاته العملية مشوه للدين وللسياسة على السواء مما دفع شرائح اجتماعية واسعة للابتعاد عنه والبراءة منه, بل والتوجه الحثيث والمقترن بردود الافعال نحو الالحاد والكراهية المطلقة للرموز الدينية, وخاصة عندما اقترنت رموز الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي بالفساد الاداري والمالي والاخلاقي وانتهاك الحرمات والعبث بمتتلكات الدولة, وانتشار الدجل والنفاق الديني والسياسي حتى تحول الاسلام السياسي في أعين الناس الى شيطان أكبر, وحتى تلوث الاسلام السياسي أشد التلوث في عملية الخلط بين الدين والسياسة, ولعل في ذلك بارقة أمل في تكريس الوعي الوطني والانتماء الى الوطن صوب الادراك الامثل لفصل الدين عن السياسة !!!.

 



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter