| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عامر صالح

 

 

 

السبت 25/9/ 2010

 

على هامش دعوة أساتذة علم النفس لحل النزاع السياسي العراقي !!!!

 د.عامر صالح

"
ليس الشقاء أن تكون أعمى, بل الشقاء أن تعجز عن احتمال العمىجون ميلتون

استرعت لديه المبادرة التي قام بها نخبة من أساتذة علم النفس في داخل العراق وخارجه للتوسط " والعلاج " لحل أزمة الحكم في العراق بأهمية خاصة, والتي أتت على خلفية عدم المقدرة على تشكيل حكومة مرتقبة في ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية السابقة, والتي مضى عليها أكثر من سبعة شهور. أنها حالات من العمى السياسي التي لا ترى فيها القوى السياسية الفائزة في الانتخابات غير اللونين الأسود والأبيض, ولا تفقه قيمة المساومة والتنازلات السياسية لمصلحة الوطن, والتي تعني الانتصار للجميع في نتائجها النهائية إذا كان الجميع مؤمنون حقا بالديمقراطية السياسية وبالتداول السلمي للحكم. وإذا كانت هذه القناعة متوفرة فعلا لدى السياسيين العراقيين, فأن دخول أساتذة علم النفس وغيرهم من المفكرين على "خط النار" في محاولة لحل الأزمة يأتي في سياقه السليم والمطلوب فعلا في هذه اللحظات الحرجة من تأزم الوضع السياسي, وفي ظروف تنضح فيه دماء العراقيين وتنتشر أشلائهم برخص الماء والتراب, فهل أزمة السياسيين العراقيين هي أزمة نفسية تستدعي تدخل أخصائي علم النفس من خلال تقنيات علم النفس المعروفة في تغير المفاهيم وفن إدارة الأزمات, باعتبار أن طريقة التفكير بالمشكلة هي احد مصادر التعقيد في الوضع السياسي, أم أن تعقد الوضع السياسي وتأزمه ناتج من أزمة ذات أبعاد متشابكة تكمن جذورها في عقائد ونهج من يقود العملية السياسية في هذا البلد !!!!.

أن الأزمات في عالمنا المعاصر هي جزء أساسيا من نسيج الحياة وحقيقة من حقائقها, وهي مرحلة متقدمة من مراحل الصراع ومظهرا من مظاهره,على أي نطاق أو مستوى, بدء من الصراع النفسي, والصراع بين الأشخاص, والصراع داخل المجتمع, بمستوياته المختلفة, والذي يشمل الأسرة والقبيلة والعشيرة, والأحزاب المختلفة بصبغتها الدينية والطائفية والقومية, وصولا إلى مستوى الدولة نفسها, وعلى ما يبدو فان العراق يجسد هذا الشكل المعقد من الصراع المتعدد المظاهر والمشارب, ابتداء من النفسي الشخصي وانتهاء بالسياسي القائم على الحيثيات الأنفة الذكر, فهو يجسد على المستوى الشخصي الآثار القيمية والسلوكية للنظام السابق وما قبله, أي التراكم الكمي للسلوك وما أنتجه من كيفيات في السلوك السيئ وأنماط التفكير المخالفة لحب الوطن والولاء له, وعلى المستوى السياسي يجسد هذا الصراع منظومة الأحزاب الحاكمة التي تتشبث بالديمقراطية كوسيلة للبقاء والمناورة دون قناعة فكرية وإيديولوجية بالديمقراطية وبالنظام السياسي ألتعددي, ومن هنا تأتي خصوصية تعقيد الوضع السياسي في العراق واستفحال أزمته السياسية, وانعدام القدرة على الحوار السياسي البناء لإيجاد مخرج لأزمة الحكم, والذي تعكسه حالة التحجر الفكري والعقائدي لرجالات الأحزاب السياسية وقيادات الدولة بعيدا عن مصلحة الوطن !!!!.

وعلى خلفية ذلك تأتي أهمية علم أدارة الأزمات باعتباره من العلوم الإنسانية, وقد أبرزت أهمية هذا العلم التغيرات العالمية, التي أخلت بموازين القوى الإقليمية والعالمية وخاصة الأمريكية منها, وأوجبت رصدها وتحليل حركتها واتجاهاتها, ويكتسب هذا العلم أهمية خاصة في الحالة العراقية, حيث أن ما حصل للعراق من تغير هو ليست بفعل اختمار العوامل الداخلية للتغير, بل لعوامل خارجية في الأعم الأغلب, وكان للأمريكان اليد الطولى بفرض النظام السياسي في العراق وطبيعته المكونة, ومن هنا فأن علم إدارة الأزمات المستعصية هو بالفعل علم المستقبل, إذ يعمل على التكيف مع المتغيرات وتحريك الثوابت وقوى الفعل المختلفة ذات التأثير السياسي والاقتصادي والاجتماعي وكذلك الثقافي وتعبئة كل الجهود الرسمية والشعبية للوقوف بوجه الازمة, وإذا كان ذلك العلم من العلوم الإنسانية المستقلة, إلا انه في الوقت نفسه يتصل اتصالا مباشرا بالعلوم الإنسانية الأخرى, وخاصة مع علم النفس, بطرائقه وتقنياته المتنوعة وبمدارس علاجه المختلفة, ومن هنا تأتي أهمية مبادرة أساتذة علم النفس للتدخل في حل الأزمة العراقية المستعصية, وقد تكن هذه المبادرة هي بداية لاستنفار وتعبئة كل القوى الداخلية السياسية والشعبية, إلى جانب القوى الدولية والمنظمات العالمية الحريصة فعلا على مستقبل العراق واستقراره, بعيدا عن ارتهانه للصراعات الإقليمية والمصالح الدولية الضيقة !!!!!.

وبعيدا عن الدخول في تعريفات مدرسية للأزمة ومفاهيمها, فأني أشير إلى احد هذه التعريفات والذي ينطبق على الحالة العراقية بوضوح, والذي يؤكد أن الأزمة هي " بمثابة حالة عصبية مفزعة مؤلمة تضغط على الأعصاب وتشل الفكر وتحجب الرؤيا, تتضارب فيها عوامل متعارضة وتتداعى فيها الأحداث وتتلاحق وتتشابك فيها الأسباب بالنتائج وتتداخل الخيوط ويخشى من فقد السيطرة على الموقف وتداعياته وأثاره ونتائجه...فهي خلل يؤثر تأثيرا حيويا يعرض المتعرض لها سواء كان فردا أو كيانا أو حتى دولة لحالة من الشتات والضياع, تهدد الثوابت التي يقوم عليها ", ولعل هذا التعريف يعكس بالفعل حالة الوضع السياسي المتأزم في العراق, والقائم على خلفية عدم تشكيل الحكومة, والذي يعكس أزمة نفسية ـ سياسية, اكتملت أسباب وجودها وطابعها المستفحل, من خلال ابرز ملامحها الذي تعكسه انعدام الثقة المطلقة بين الأحزاب السياسية وضعف مصداقيتها, وأتساع بؤر الخلاف والتي لم تحسم مع مرور الوقت مما يضعف قدرة هذه الأحزاب على مواصلة الحوار المتبادل, شيوع ظاهرة سوء الفهم وسوء التقدير المقترن بحالة اليأس, وجود حالة من تعارض المصالح والأهداف بين هذه القوى السياسية والذي يصل إلى المستوى الصفري من انعدام المشتركات, والميل إلى الابتزاز واستعراض القوى والتهديد بنسف العملية السياسية والتلويح بديمومة الإرهاب وتدهور الأمن, إذا لم تقرر النتائج حسب مزاج الهيمنة والتسلط السياسي !!!!.

أن مبادرة أساتذة علم النفس الأفاضل تكتسب أهميتها الخاصة في الظروف السياسية العصية التي يمر بها العراق, والتي تستهدف انتشال وإحياء ما تبقى من الصبر العراقي لديمومة الحياة, على الرغم من الصعوبات التي تحيط بنجاح المبادرة, ولكن " تفاءلوا بالخير تجدوه " !!!!.



 

free web counter