| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عامر صالح

 

 

 

الأحد 15/8/ 2010

 

الشخصية الإنسانية بين التطبيقات الماركسية الخلاقة وعبقرية فرويد
مدخل مقارن

 د.عامر صالح

"
بعضنا كالحبر وبعضنا كالورق فلولا سواد بعضنا لكان البياض أصم ولولا بياض بعضنا لكان السواد أعمى "
                                                                                               جبران خليل جبران

تمثل مدرسة التحليل النفسي الفرويدية صرحا سيكولوجيا لا يمكن الاستهانة بأهميته أو توجيه الطعون إليه عبر التبسيط المبتذل لبعض مفاهيمها كمفهوم الغريزة الجنسية ودورها في تشكيل سلوك الفرد,فالنظرية الفرويدية لا زالت تعتبر صاحبة الأثر الكبير على بناء وتشكيل علم النفس المعاصر بكافة فروعه وتشعباته حديثا وقديما,وما خلقته هذه النظرية من حالة جدل أدت إلى هذا الكم الهائل من المعرفة السيكولوجية الحديثة,وفي المقابل فأن النظرية الماركسية كان ولا يزال لها الأثر الفعال والشامل على الكثير من المجتمعات وعلى ثقافات أمم بأسرها وعلى حركات تحرر,و أحزاب يسارية في كل مجتمعات الدنيا وفي كل برلمانات العالم المتحضر حيث يحضر الوجود الماركسي بأشكال مختلفة ليعبر عن جدليته اللامحدودة ,ويمتد الفكر الماركسي في شخصية الإنسان ليشكل جزء من سلوكه الواعي أو اللاواعي,وتستحضرني هنا في الذاكرة بعض الممارسات التي تدل على امتدادات الفكر الماركسي في ثنايا سلوكيات الناس وفي وعيهم أو في لاوعيهم,فماذا يعني أن يذهب حشود من الناس مشيا على الإقدام حفاة لزيارة الرموز الدينية وممارسة الطقوس الخاصة بذلك,ثم يذهب بعد ذلك إلى صناديق الاقتراع لينتخب شرائح من قوى اليسار العراقي, انه نمط من السلوك أو الخيار الفرويدوـ ماركسي,وان كان لا يشكل ظاهرة في المفهوم الإحصائي إلا انه يعبر عن تجذرات الفكر الماركسي في مقاطع من سلوكيات الناس بمسحة فرويدية, حيث أن الانتماء عندما يقمع " يكبت " فأنه يشكل جزء من لاوعي الإنسان, يظهر مجددا حينما تتوفر فرصة مواتية للتعبير عن نفسه لكي يزيل حالة القلق الناتجة عن عدم إشباع غريزة الانتماء بأشكال واقعية,والتي تم تأجيلها أو إشباعها ببدائل تعويضية, كما أن ذلك يطرح بنفس الوقت قضايا مهمة في كيفية تشكيل شخصية الإنسان ويحفز نحو مزيدا من الفضول العلمي والمعرفي للوقوف على دلالاته !!!!.

إن الشخصية,والشخص,والشخوص,وغيرها من الألفاظ المشتقة في العربية ترد في الأصل إلى الدلالة على الجسم كما يظهر,وفي هذا الاستعمال تضمين واضح لخاصية البروز أو الارتفاع في الجسم من ناحية,والى التحقق من ذلك بواسطة النظر أو الإبصار من ناحية أخرى.أما في اللغتين الانكليزية (1) والفرنسية (2) فكلمة الشخصية مشتقة من الأصل اللاتيني (3) وتعني هذه الكلمة القناع الذي كان يلبسه الممثل في العصور القديمة حيث كان يقوم بتمثيل دورا, أو حين كان يريد الظهور بمظهر معين أمام الناس فيما يتعلق بما يريد أن يقوله أو يفعله,وهذه الكلمة مركبة بدورها من لفظتي, بيرـ سوناري (4), ومعناها, عبر أو عن طريق الصوت.

ولعل من المفيد أن نذكر بهذا الصدد بأن عالم النفس الشهير كارل يونج قد استعمل لفظة الشخصية (5) للدلالة على القناع الذي يتحتم على كل فرد أن يلبسه لكي يستطيع أن يلعب دوره بنجاح على مسرح المجتمع,وهو بذلك يؤكد على القيمة الاجتماعية والجماعية لهذا القناع,والذي يستطيع بواسطته الفرد,امرأة كانت أم رجلا,أن يكيف نفسه بنجاح مع نظامه الاجتماعي,وان يحقق التوازن بينه وبين توقعات المجتمع عنه,كما أن مثل هذا القناع له أن يحجب أو يستر أبعاد التجارب الذاتية,والتي يعتبرها الفرد من الأمور الخاصة والفردية والتي يجب أن تظل كذلك خافية عن الغير.

والمتأمل في أصول الاصطلاح في كل من اللغة العربية واللاتينية وما تفرع عنها,لا بد أن يلاحظ بأن العرب قد اعتمدوا في تحديدهم لشخصية الفرد على الشكل الذي يبرز عليه كما بدا لهم بحاسة النظر,أما الرومان ومن تلاهم فقد أكدوا على الصوت الذي يعبر فيه الإنسان عن ذاته,وقد نجد أن هذا الفرق اللغوي ليس مجرد مصادفة لغوية بقدر ما هو فرق بين اتجاهين الواحد يؤكد الظاهر وما يدرك بالحواس,والأخر على ضرورة التعبير عما هو وراء الظواهر المقنعة والتي لابد من كشفها للوصول إلى معرفة الذات.

لقد احتلت الشخصية الإنسانية مكانة هامة في الدراسات النفسية والفلسفية على السواء,ويصدق هذا القول في حالة دراسة الشخصية السوية كما يصدق في حالة دراسة الشخصية المضطربة,وقد ساعد على تأكيد هذه المكانة عدد من العوامل كان من بينها النظر إلى السلوك على انه يحصل لشخصية تعمل من حيث هي وحدة متكاملة وفيها كل ما تنطوي من عناصر ومركبات ودوافع وقدرات,إلا أن هذا الاهتمام لا يسلم من سنة الاختلاف والتنوع في المدخل الذي تأخذه هذه الدراسات التي تجعلها موضوعا لها,وذلك على الرغم من وجود اتفاق حول اعتماد المنهجية العلمية في البحث عن ماهيتها ,ومن الممكن التماس هذا الاختلاف في أول مسألة تتعرض لها ألا وهي تعريف الشخصية أو تحديدها,حيث تجاوز العشرات من التعريفات.

ومن وسط الكم الهائل من التعريفات وتنوعها نستقي لأبرز التعريفات التي ترد في أمهات الكتب ذات الصلة بدراسة الشخصية,فعلى سبيل المثال يعرف برت الشخصية" هي ذلك النظام الكامل من الميول والاستعدادات الجسمية والعقلية الثابتة نسبيا,والتي تعد مميزا خاصا للفرد,والتي يتحدد بمقتضاها أسلوبه الخاص في التكيف مع البيئة المادية والاجتماعية",كما يعرفها أيزنك" أنها التنظيم الثابت المستمر نسبيا لخلق الشخص ومزاجه وعقله وجسده وهذا التنظيم هو الذي يحدد تكيفيه الفريد مع محيطه ",أما البورت فيعرفها في تعريف معدل سابق له " هي تلك الصيغة التي يتطور أليها الشخص ليضمن بقاءه وسيادته ضمن أطار وجوده ".ولعل احد التعريفات الشاملة للشخصية يضعنا إمام تصور دقيق للشخصية,والذي يؤكد على أن الشخصية هي " مجموع الخصال والطباع المتنوعة الموجودة في كيان الشخص باستمرار,والتي تميزه عن غيره وتنعكس على تفاعله مع البيئة من حوله بما فيها من أشخاص ومواقف,سواء في فهمه وإدراكه أم في مشاعره وسلوكه وتصرفاته ومظهره الخارجي,ويضاف إلى ذلك القيم والميول والرغبات والمواهب والأفكار والتصورات الشخصية ".

لا يوجد خلاف مفصلي حول تعريف الشخصية بين المدارس السيكولوجية,بما فيها الفرويدية والماركسية والمدارس النفسية الأخرى,إلا إن الخلاف ينصب حول تشكيل مصادر الشخصية وإبعادها والعوامل الأساسية المؤثرة في تشكيلها والميكانيزم النفسي الذي تتكئ عليه شخصية الفرد"في صحتها واضطراباتها" أثناء عملية التفاعل مع البيئة بمختلف مظاهرها وتعقيداتها المتشعبة.

أن مدرسة التحليل النفسي الكلاسيكية بزعامة فرويد ترى أن الجهاز النفسي لشخصية الفرد يتكون من ثلاث مكونات افتراضية هي :
1ـ ألهو أو الهي (6):
وهو أقدم قسم من أقسام الجهاز عند فرويد,وهو منبع الطاقة الحيوية والنفسية التي يولد الفرد مزودا بها,وهو يحتوي على ماهو ثابت في تركيب الجسم,فهو يضم الغرائز والدوافع الفطرية:الجنسية والعدوانية,وهو الصورة البدائية للشخصية قبل أن يتناولها المجتمع بالتهذيب والتحوير,ومستودع القوى والطاقات الغريزية,وهو جانب لا شعوري عميق,ليس بينه وبين العالم الواقعي صلة مباشرة,كما انه لا شخصي ولا إرادي,لذلك فهو بعيد عن المعايير والقيم الاجتماعية,لا يعرف شيئا عن المنطق,ويسيطر على نشاطه مبدأ" اللذة"و "الألم",ويندفع إلى إشباع دوافعه اندفاعا عاجلا في صورة وبأي ثمن.

2ـ الأنا (7):
وهو مركز الشعور والإدراك الحسي الخارجي,والإدراك الحسي الداخلي,والعمليات العقلية,وهو المشرف على جهازنا الحركي الإرادي,ويتكفل الأنا بالدفاع عن الشخصية,ويعمل على توافقها مع البيئة,وإحداث التكامل,وحل الصراع بين مطالب (ألهو),وبين مطالب "الأنا الأعلى",وبين الواقع ,والأنا له جانبان:شعوري ولا شعوري,وله وجهان:وجه يطل على الدوافع الفطرية والغريزية في ألهو,وآخر يطل على العالم الخارجي عن طريق الحواس,ووظيفة (الأنا) هي التوفيق بين مطالب (ألهو) والظروف الخارجية,وينظر إليه فرويد كمحرك منفذ للشخصية,ويعمل(الأنا) في ضوء مبدأ الواقع,ويقوم من اجل حفظ وتحقيق قيمة الذات والتوافق الاجتماعي,وينمو الأنا عن طريق الخبرات التربوية التي يتعرض لها الفرد من الطفولة إلى الرشد.

3ـ الأنا الأعلى (8):
وهو مستودع المثاليات والأخلاقيات, والضمير, والمعايير الاجتماعية, والتقاليد, والقيم, والصواب, والخير, والحق, والعدل, والحلال, فهو بمثابة سلطة داخلية, أو "رقيب نفسي", وهو لاشعوري إلى حد كبير, وينمو مع نمو الفرد, ويتأثر الأنا الأعلى في نموه بالوالدين, ومن يحل محلهم, مثل المربين والشخصيات المحبوبة في الحياة العامة, والمثل الاجتماعية العليا, كما انه يتعدل ويتهذب بازدياد ثقافة الفرد وخبراته في المجتمع, ويعمل الأنا الأعلى على ضبط (ألهو), وكفه عن إشباع كل ما يراه المجتمع خطأ أو محرما من الدوافع, وذلك من خلال (الأنا).

ويؤكد فرويد أن الجهاز النفسي للشخصية لا بد أن يكون متوازنا حتى يكفل للفرد طريقة سليمة للتعبير عن الطاقة اللبيدية"الحيوية الجنسية" وحتى تسير الحياة سيرا سويا.ويحاول" الأنا " حل الصراع بين " ألهو " و " الأنا الأعلى " فيلجأ إلى عملية تسوية ترضي ـ ولو جزئيا ـ كلا من الطرفين,وإذا اخفق ظهرت أعراض العصاب.وقد يحدث الصراع بين "الأنا"و"ألهو" حيث تسعى مكونات ألهو الغريزية للتعبير عن نفسها في الوقت الذي يقف فيه الأنا بالمرصاد دفاعا عن الشخصية وحرصا على توافقها.وقد يحدث الصراع بين الأنا والأنا الأعلى حيث يصدر الأنا الأعلى أوامر مستديمة إلى الأنا مما قد يرهقه ويأخذ صورة مرضية يعبر عنها بقلق الضمير.

أما المفهوم الأخر في نظرية فرويد فهو المفهوم المتعلق بالشعور,واللاشعور,وما قبل الشعور,ويمكن إيجازه بالشكل الأتي:
1ـ الشعور (9):
وكما حدده فرويد فهو منطقة الوعي الكامل والاتصال بالعالم الخارجي,وهو الجزء السطحي فقط من الجهاز النفسي, وهو الوسيلة المباشرة لإطلاع الإنسان على ما يمر به من الحالات النفسية أي الاطلاع على وجود اللذة والتعب, وعلى سير المحاكمات العقلية, أي انه وسيلة الذات في الاطلاع على ما تنطوي عليه في حاضرها ساعة اليقظة.
2ـ اللاشعور (10):
وحسب فرويد فهو يكون معظم الجهاز النفسي.وهو يحوي ما هو كامن ولكنه ليس متاحا ومن الصعب استدعاؤه لأن قوى الكبت تعارض ذلك.وحدد فرويد الرغبات المكبوتة التي يحتويها اللاشعور بأنها ذات طابع جنسي.ويقول إن المكبوتات تسعى إلى شق طريقها من اللاشعور في الأحلام وفي شكل أعراض لمختلف الاضطرابات العصابية.
3ـ ما قبل الشعور (11):
ويحتوي العناصر غير الموجودة في نطاق الوعي إلا انه من الممكن استدعاؤها إلى الوعي بسهولة حيث يقع ما ندركه في لحظة معينة في نطاق الوعي لفترة ثم نصرف انتباهنا عنه, فينتقل إلى ما قبل اللاشعور ونستطيع نقل الأفكار من منطقة ما قبل الشعور إلى الشعور من خلال تركيز الانتباه, والأفكار الكامنة في منطقة ما قبل الشعور لا تمت إلى مستوى الشعور المباشر لأنها ليست فيه, وهي لا ترجع إلى اللاشعور لأنها تختلف عن حالته من حيث سهولة جعلها شعورية, ومن حيث قدرة الشعور على استدعائها والتصرف بها, ومن حيث ما فيها من فعالية, لذلك تكون بين الشعور واللاشعور.

ويرى فرويد حسب نظريته الثانية عن القلق سنة 1923 أن القلق ما هو إلا إشارة,الهدف منها تمكين الفرد من تجنب حالة من الخطر,ويقول في ذلك"أن جميع الإعراض النفسية تأتي لغرض واحد فقط وهو تجنب حالة القلق,وأن هذه الأعراض المرضية " تربط " الطاقة النفسية, ولولا هذا الربط لأصبحت الطاقة النفسية حرة في الانطلاق على شكل قلق..." ويقول في ذلك "...أن الأعراض المرضية تخلق لكي يتمكن أل " أنا " من الابتعاد أو النجاة من موقف خطر,وإذا ما منعت هذه الإعراض المرضية من الظهور فان الخطر سيبرز لا محال...".

وقد اعتمد فرويد في تفسير السلوك والإمراض النفسية على عملية الكبت (12) وأفترض نوعين من الكبت,أولهما يتألف من مشاعر غريزية ودوافع تبدأ في وقت مبكر من حياة الفرد ولكنها لم تدخل أبدا في حيز الوعي,والنوع الثاني من الكبت يتألف من أنواع الشعور والتجارب والدوافع والرغبات التي وجدت في وقت ما في الوعي ثم أجبرت على أن تكبت في اللاوعي,وهذا النوع الأخير من الكبت هو النوع الأكثر أهمية بالنسبة لفرويد, وهو يمثل الصراع بين الرغبة وبين الموانع لتحقيقها من قبل "الأنا الأعلى ",وقد بين فرويد الحقائق الآتية عن عملية الكبت:1ـ أنها عملية عامة توجد عند جميع الناس, 2ـ أن المادة المكبوتة مؤلمة دائما أو محرجة أو مكروهة من قبل صاحبها, و3ـ أن عملية الكبت عملية تلقائية تتم كليا خارج نطاق الوعي,ونظرية فرويد في "ديناميكية" الأمراض النفسية تتلخص فيما يلي:1ـ قيام صراع عاطفي بين حاجتين أو رغبتين متضاربتين, 2ـ كبت هذا الصراع إلى " اللاوعي ", 3ـ يظل الصراع المكبوت في اللاوعي ذا قدرة على التعبير عن وجوده بشكل من الأشكال بما في ذلك اتخاذ صفة الأعراض النفسية.

وهكذا فأن فرويد يعتقد بأن عملية الكبت هي عملية " إنكار " ينكر فيها أل " أنا " وجود دوافع داخلية,أو حوادث خارجية, والتي يؤدي الاعتراف بوجودها إلى نتائج مؤلمة. ولما كان من المتعذر الإبقاء على هذه الدوافع كجزء متوازن من وعينا النفسي, فلابد من كبتها حال قيامها محافظة على هذا التوازن من خطر الاضطراب, والصراع المكبوت بهذا الشكل لا ينتهي وجوده بمجرد كبته إلى اللاوعي, إذ يظل هناك مهددا لصاحبه بالظهور, وقد يظهر ذلك بشكل مستتر كما هو الحال ومظاهر السلوك المختلفة, وقد يظهر بصفة أعراض مرضية نفسية والتي تعتبر وسيلة دفاعية نفسية يشغل فيها المريض عن أدراك الصراع الداخلي, وبهذا تساعد في إبقاء هذا الصراع مكبوتا, كما أن في هذه الأعراض المرضية فائدة الإرضاء النفسي للمريض إلى حد ما, لأنها تمثل حلا وسطا بين ما يرغب فيه الفرد وبين ما ينكره.أن هذا الصراع,وهو أساس الإمراض النفسية, يوجد في العقل ولكنه غير معروف لصاحبه. وهكذا فان جميع الأعراض المرضية حسب النظرية الفرويدية ما هي إلا نتيجة هذا الصراع بين القوى المكبوتة والقوى الكابتة لها.

أما بالنسبة للتطبيقات الماركسية في علم النفس, والجزء الخاص منها بفهم طبيعة الشخصية فقد أخذت طابع الدراسات التاريخية المستقاة من المنهج المادي الجدلي في فهم الظاهرة النفسية بارتباطاتها المتشعبة والمتداخلة, وكذلك طابع الدراسات التجريبية المؤسسة على منهجية البحث العلمي وفروضه.ولعل العالم الروسي ايفان بافلوف ( 1849ـ 1936 ) والذي ارتبط باسمه الاكتشاف التاريخي لنظرية الفعل المنعكس الشرطي خير من جسد المنهج الجدلي في أبحاثه العلمية,إلى جانب كوكبة من العلماء الذين جاء من بعده في دراسة الكثير من الظواهر النفسية,كاللغة, والتفكير, والعمليات العقلية ومختلف مظاهر السلوك الإنساني,أمثال, فيجو تسكي, ولوريا, وغيرهم, وكذلك العديد من العلماء الذين ظهروا من وسط مدرسة التحليل النفسي الفرويدية متأثرين بهذا القدر أو ذاك بتأثيرات انتشار الفكر الماركسي وشيوعه في مختلف مجالات الحياة, والعلوم منها بشكل خاص,أمثال, ادلر, و اريك فروم, وفيلهم رايش, وغيرهم, والذين أسسوا لاتجاه سيكولوجي تتطلق عليه بعض الأوساط العلمية " باليسار الفرويدي " في محاولة علمية وجدية للتوفيق بين الفرويدية والماركسية.

يعتقد بافلوف أن الإنسان نظام محكوم بالقوانين الطبيعية المشتركة بين كل ظواهر الطبيعة, ويرى أن النظام الإنساني هو الوحيد بين الأنظمة الطبيعية الذي يتميز بقدرته الهائلة على التنظيم الذاتي والذي يمتلك المرونة الفائقة لهذه الفعالية.فالإنسان بأنظمته المعقدة خلاصة تطور الطبيعة في صورتها الأكثر رقيا وتقدما,فالسلوك الإنساني صناعة تتم وفقا لمبدأ الاستجابات الشرطية وهي صناعة ممكنة أي انه يمكن لنا التحكم في سلوك الإنسان وتشريطه وتصنيعه مختبريا أو بصورة اجتماعية عندما يتم التحكم بشروط الحياة الاجتماعية " شروط الوجود ", فأفكارنا ومفاهيمنا وتصوراتنا وقيمنا وعادتنا وأنماط سلوكنا وكل جوانب نشاطاتنا النفسية والاجتماعية هي نتيجة لعملية تشريط اجتماعية تربوية بعيدة المدى وانه يمكن رسم حدود هذه النشاطات والتحكم فيها وفقا لمبدأ الاشراط ومبدأ الاستجابات الشرطية التي بين أسرار حركتها في مخابره وتجاربه الطويلة.لقد بين بافلوف انه يمكن للاستجابة الشرطية إيقاع الناس فريسة الأمراض النفسية وانه وعلى خلاف ذلك يمكن لهذا التشريط نفسه أن يؤدي وظيفة تحرير الناس من آلامهم وعقدهم وأمراضهم النفسية.

أن الإنسان ينطلق في عملية تكيفه وفق منظومة دلالية من الرموز والمثيرات اللغوية التي تجعله في حركة استجابات شرطية تتصف بالاستمرار والديمومة.فالكلام يشكل بالنسبة للإنسان نظاما ثابتا من الدلالات الذي يتمايز به الإنسان عن الحيوان, فالكلام هو بالتأكيد الأمر الذي جعل منا بشرا,فالمثيرات الأولى " المنظومة الأشارية الأولى " هي المثيرات الصادرة عن العالم الخارجي مثل الأصوات والروائح ومثيرات اللمس والضوء والأحداث الخارجية هي مثيرات مشتركة بين الإنسان والحيوان, ولكن الإنسان يتفرد فيما يطلق عليه بافلوف بالمثيرات الدلالية من المستوى الثاني " المنظومة الاشارية الثانية " والتي تتعلق بالرموز واللغة والكلمات والمعاني,وهي الرموز أو الدلالات التي يتفرد بها عالم الإنسان عن عالم الحيوان.

لقد قدم بافلوف نظريته عن أنماط الشخصية في الخطاب الذي ألقاه في مؤتمر الجراحين الروس عام 1927 مستندا بذلك إلى ثلاث منطلقات أساسية,يذهب في الأول إلى أن الجهاز العصبي هو مركز الفعاليات النفسية,وأن ما يسميه البعض بالارتباطات النفسية ما هو إلا ارتباطات فسيولوجية, وأن مختلف الدراسات المختبرية التي قام بها لفترة طويلة من الزمن تعطي دليلا كافيا على ذلك, والمنطلق الثاني الذي أكده بافلوف هو أن هناك ظاهرتين أساسيتين في التكوين النفسي للإنسان والحيوان هما عمليتي الإثارة والكف , وأنهما مترابطتان, وان فعالية الإنسان والحيوان منطلق منها باستمرار, وان الأولى تمثل نشاط الإنسان وإنتاجه بينما تمثل الثانية, وهي الكف, النزوع إلى الراحة واستعادة النشاط وحماية الخلايا من الإعياء والإفراط في صرف الطاقة, أما المنطلق الثالث فهو التأكيد بأن الإنسان يمتلك قدرة على التكيف, وانه في ذلك يحمل الكثير من الأفعال المنعكسة الطبيعية التي تبقى ثابتة ومتناسبة مع مؤثرها الأصلي, والكثير من الأفعال المنعكسة الشرطية التي تكون مكتسبة وقابلة للتحويل والتعديل, ومن هذه المنطلقات يأتي بافلوف للحديث عن أنماط الشخصية والمزاج عند الإنسان, فهناك أولا نمطان متطرفان يقابل احدهما الإثارة وشدتها, ويقابل الثاني الكف وهدوءه, وهنك ثانيا حال متوسط معتدل عنده شيء من الطرفين ولذلك فهو متوازن, ولكن هذه الحالة المتوسطة تعود هي نفسها إلى نمطين تبعا لغلبة الإثارة أو الكف,فتكون الإثارة هي الغالبة في احدهما, ويكون الكف هو الغالب في الثاني,وهكذا نحصل على أربعة أنماط للأمزجة,كما أدركها بافلوف بالشكل الأتي :
1 ـ النمط المندفع الذي يتميز بشدة الاستثارة والاندفاع والطيش وكثرة التسلط والعدوانية,ويبدو ذلك واضحا عند الحيوان الذي يميل إلى العدوان.
2 ـ النمط الخامل الذي يتميز بضعف النشاط وتطرف الهدوء,والاكتئاب والسكينة والخضوع والتخاذل.
3 ـ النمط النشط المتزن الذي يتميز بالاعتدال مع ظهور النشاط وكثرة الحركة والملل السريع حين لا يوجد ما يشغله,وهو فعال ومنتج.
4 ـ النمط الهادئ المتزن الذي يتميز بالقبول والمحافظة والرزانة,وهو عامل جيد ومنظم.

لقد ذهب بافلوف بعيدا في تفسير السلوك الإنساني مستفيدا من نتائج تجاربه المختبرية, آخذا بنظر الاعتبار خصوصية الإنسان باعتباره كائن رمزي,تشكل اللغة والكلام خصوصيته التي ينفرد بها عن عالم الحيوان,فقدم مجموعة من النظريات فسر فيها تكوين الشخصية ومظاهر السلوك الطبيعي أو الشاذ والإمراض النفسية على أسس من عمليات التفاعل الشرطي, فنمو الشخصية وتطورها في رأيه يعتمد على عمليات التمرين والتعود في الصغر, عندها يمكن بناء بعض خصائص الشخصية كالمثابرة وقوة الإرادة وضبط النفس. والسلوك الشاذ في نظره ما هو إلا تعبير عن خطأ مزمن في عمليات التطبع الشرطي, أما الأمراض النفسية فهي نتيجة لاضطراب في عملية التدريب في الصغر, مما يعطي الدماغ حالة مزمنة من الاضطراب الوظيفي في العمل, فالقلق باعتباره محور الأعراض المرضية النفسية, ما هو بنظر بافلوف إلا رد فعل غير مناسب لتفاعلات شخصية سابقة, أما الأعراض الأخرى التي يشكو منها المريض فما هي إلا وسائل جديدة يتعلمها المريض للتقليل من حدة الشعور بالقلق, وتظل هذه الأعراض ما دامت تخدم غرض الإبقاء على القلق في حدود محمولة, وهذه الفائدة الظاهرية تعزز عمليات التفاعل الشرطي التي أحدثت حالة القلق في الأصل, وتساعد لذلك في استمرار الاضطراب النفسي الذي يشكو منه المريض. وقد تلي هذه النظريات التفسيرية للأمراض النفسية واضطرابات السلوك, نظريات أخرى في علاج هذه الحالات تعتمد على أن ما تعلمه الإنسان خطأ يجب إزالته وتعليمه من جديد وعلى أساس صحيح. وان الخطأ في عملية التطبع يمكن أن يزال فقط عن طريق مسح التطبع الخاطئ, وإقامة تطبع ملائم جديد. وقد طبقت النظريات العلاجية في طائفة واسعة من اضطرابات السلوك والأمراض النفسية, مثل التبول الليلي, والقلق, والفوبيا بمظاهرها المختلفة, والسلوك السايكوباثي, والإدمان, والشذوذ الجنسي وغيرها من الاضطرابات. ولعل أهمية نظريات بافلوف تكمن ليست فقط في تفسير الأمراض النفسية واضطرابات الشخصية أو في علاج هذه الأمراض والاضطرابات, وإنما في قيمتها الوقائية كوسيلة تدريبية تربوية وتعليمية, تستهدف تنمية الشخصية من مطلع تكوينها وعلى أساس صحيح سليم, يقيها خطر الانحراف والاضطراب النفسي مستقبلا.

أن الكثير من الظواهر ذات الصلة بالصحة النفسية لشخصية الإنسان وتكيفه وجدت لها مقاربات في التفسير لدى كل من ماركس وفرويد,فمن تلك الظواهر هو ما تناوله اريك فروم( 1900 ـ 1980 ) في تعريف تلك المتغيرات والتي نعني بها المرض الذي هو: الاغتراب حسب ماركس, وأشكال العصاب لدى فرويد.فالاغتراب الإنساني يعني: " اغتراب الإنسان عن أعماله وعن الإنسان الآخر وعن الطبيعة " وبنفس اللغة فان العصاب" المرض النفسي " (هو استحواذ رغبات نابعة من " هو " الإنسان على الأنا الواعي) وفي كلا الحالتين فان الاغتراب والعصاب الذي سيصبح شكلا من أشكال الاغتراب يحدثان في منطقة اللاوعي من فكر الإنسان. يقول فروم في هذا الصدد في هذا الصدد: ( أن المريض المصاب بمرض العصاب هو كائن إنساني مغترب, انه لا يحس بأنه قوي, ويخاف وهو مكبل لأنه لا يرى ولا يعرف نفسه ذاتا ومسببا لأعماله وتجاربه, فهو عصابي لأنه مغترب ) . ومن خلال العودة إلى مفهوم الاغتراب الإنساني لدى ماركس فأنه يفترض بان الإنسان يصبح عبدا لنتاجه الذاتي كلما تضخم هذا الإنتاج وزاد ابتعاده عن متناول يده, هذا الأمر بدوره يعني أن تطور وسائل الإنتاج وزيادة جهل الإنسان بها يدفعه إلى تأليهها كما هو حال المصاب بالعصاب والذي يؤله بعض المنتجات الذاتية الطفولية له" الرغبات الجنسية " والتي تنتقل من الوعي الحر إلى اللاوعي في المراحل المتقدمة من العمر. وكون العصاب هو المرض النفسي السائد والمنتشر والذي يمكن القول عنه بأنه لا يخلو من كل إنسان تقريبا, فان الحال نفسه مع الاغتراب, والإنسان الذي يتمتع بالصحة النفسية هو ذلك الذي يتمتع بإرادة حرة حسب كلا من فرويد وماركس, وهو في النهاية حرا من العبودية لكل من عمله وغرائزه, واستقلالية الفرد عن العالم الخارجي بالمعنى الايجابي بحيث لا تعود أشياء هذا العالم الخارجي هي المسيطرة على فكره ومشاعره بل خاضعة لهذا الفكر والشعور الذي هو جزء من إرادته الحرة . ويعود فروم للقول " وتبعا لذلك يكون الإنسان الصحيح نفسيا عند فرويد هو ذلك الفرد الذي بلغ المرحلة التناسلية وصار سيد نفسه والذي يستقل عن أبيه وأمه ويعتمد على عقله وقوته, ولكن أذا كان تصور فرويد عن الصحة النفسية واضحا في معالمه الرئيسية أيضا فأن مفهومه يبقى مع هذا غامضا بعض الشيء بصورة إجمالية ",وبهذا يؤكد فروم بصعوبة التطابق الكلي بين العصاب والاغتراب رغم التشابه الكبير بينهما. أما بالنسبة لماركس فأن الإنسان الصحيح الذي يؤدي بالتأكيد إلى خلق مجتمع صحيح هو " الإنسان المتطور تطورا كاملا والسليم نتيجة لذلك فهو الإنسان المنتج الذي يهتم بالعالم اهتماما صحيحا ويستجيب له, انه الإنسان الغني " , أي الإنسان الذي يمتلك قدرته وعمله . إن قوة الترابط بين النظريتين في الخطوط العريضة والجوهرية لكليهما إلا وهو أن الإنسان الصحيح في كلا الحالتين هو الإنسان الذي يصل إلى وعي كامل لسبب المرض النفسي وهو في هذه الحالة يقع في الموقع النقيض لقرينه المريض نفسيا في الجهة المقابلة أي اللاوعي. إن محاولات اريك فروم حول ارتباط الاغتراب بالعصاب أو تطابقهما هي محاولات جادة على طريق التقليل من أهمية الغريزة الجنسية التي تبدو واحدة من أشكال الاغتراب التي لا يتعدى تأثيرها الفرد عند وجودها.

ومن المفيد هنا في معرض حديثنا عن العصاب والاغتراب,أن نشير إلى أن العالم الروسي بافلوف كان له السبق في اكتشاف ما يسمى" بالعصاب التجريبي " وهو عصاب يحدث عندما يتعرض الحيوان المجرب عليه لعمليات اثارة وكبح في ان واحد يقع على أثرها الحيوان فريسة الإثارة البالغة وذلك لأنه لا يستطيع التميز بين المثيرات القادمة المتنافرة وتكون النتيجة إصابة الحيوان المعني بالعصاب.وقد كان بنتيجة ذلك ان الحيوانات قد فقدت كل العادات التي تعلمتها وأصبحت مشوشة,وكأن خلايا دماغها قد غسلت أو نظفت من كل التجارب التي قد أجراها.وقد كان لتجارب بافلوف تأثير كبير لدى العديد من علماء النفس لاحقا في الكثير من الظواهر المشوقة جدا عن العقل البشري والتي كانت الحجر الأساس لنظرية في علم نفس الشخصية والتعلم, ومفادها أن الإنسان يمتلك انعكاسات وغرائز بدائية "خلقية ", ولكنه في كل لحظة من حياته يمر بتجارب ويتعلم دروسا هي بمثابة لبنات في بناء شخصيته وتفكيره, أي انه يبني عادات حديثة يكون لها الأثر الكبير في أسلوب تفكيره وعقيدته واتجاهاته في الحياة, ولكن هذه العادات والأفكار المكتسبة ليست ثابتة ,فهي عرضة للاهتزاز أو الاضمحلال, ففي الحالات التي يتعرض فيها الإنسان إلى ظروف قاهرة صعبة تجعل جهازه العصبي في حالة من التوتر أو الحساسية المفرطة أو التثبيط الحاد, وفي هذه الحالة الحرجة تصبح خلايا دماغه عاجزة عن الاحتفاظ بما اختزنته من عادات, بل قد تصبح شبه مشلولة عن العمل والمقاومة, بل أن مقاومتها للأذى ولتهديد الواقع عليها ينقلب إلى تقبل اشد واستسلام أسرع لعادات جديدة أخرى غريبة قد يتصادف حدوثها في تلك الحالة, وعندئذ تمحو من دماغ الإنسان أفكاره السابقة واتجاهاته وميوله, ويصبح قابلا للإيحاء وفريسة لتعاليم جديدة. أن هذا المفهوم المركز لبافلوف حول فكرة العصاب وتطبيقاتها لاحقا تنسجم إلى حد بعيد مع مقاربة اريك فروم بين العصاب عند فرويد والاغتراب عند ماركس من حيث الاتجاهات العامة.

قد يبدو للوهلة الأولى, أن هناك تعارضا أساسيا واختلافا واسعا لا يمكن التقارب فيه, بين المدرستين : المادية الديالكتيكية الشرطية, كما جاء بها بافلوف, والدينامية النفسية, كما جاء بها فرويد, والواقع أن هنالك الكثير من أوجه الشبه بينهما, وان اعتمدتا في الظاهر افتراضات متباينة ووسائل مختلفة في البحث والعلاج,فكلاهما تردان تكوين الشخصية وأسباب اضطرابها إلى سن الصغر, وكلاهما تريان بان الطريقة المثلى للعلاج هي في إصلاح الأخطاء التفاعلية التي نشأت في سن مبكر واستبدالها بتفاعلات مناسبة وجديدة, ووجه الخلاف كما هو واضح, هو أن بافلوف وأتباعه يفسرون الاضطرابات السلوكية والنفسية على أساس من خطأ في التفاعلات الشرطية التي تعرض لها الفرد في نموه, ويضع بافلوف قاعدة هذا الخطأ في القشرة المخية, بينما نجد فرويد وأتباعه يردون هذه الاضطرابات إلى الصراعات النفسية التي يتعرض لها الفرد في تجربته العقلية, والى فشله في حل هذه الصراعات حتى بعد اللجوء عمليات الكبت المختلفة التي يستغلها العقل تلقائيا كوسيلة دفاعية للتخلص من وطأة هذه الصراعات. وإذا أمكننا اليوم أن نعيد صياغة نظريات فرويد هذه, بحيث ننظر إلى الصراعات النفسية بأنها عمليات فسيولوجية من التضارب بين عوامل التطبع الشرطي من إثارة أو نهي, وان عملية الكبت ما هي إلا تسلط عوامل النهي على عوامل الإثارة, وأن الأعراض السلوكية والنفسية ما هي إلا رد فعل الجهاز العصبي بسبب فشله في إقامة التوازن بين التفاعلات الشرطية المختلفة قديمها وحديثها, إذا أمكن كل ذلك فسيؤول الفرق بين النظريتين إلى مجرد اختلافات في سبل البحث وفي لغة التعبير عن هذه السبل.

أن تأكيد تجارب بافلوف بان العمليات النفسية هي صورة لفعالية الدماغ ووظيفة من وظائفه الأساسية, وبأن الدماغ هو أعلى أشكال المادة وأرقاها, هو أمر مفرغ منه في ميادين العلوم النفسية والعصبية المعاصرة, ولا يراود الاختصاصيون في هذه المجالات أدنى شك.ويحاول الكثير من الباحثين اليوم في نطاق الجمعيات الدولية للأعصاب والتحليل النفسي إيجاد تفسيرات سايكو ـ دماغية للعديد من الافتراضات النفسية للعالم فرويد, فعلى سبيل المثال لا الحصر, أن الجهاز النفسي الثلاثي المتمثل بالهو, والانا والانا العليا, والذي تم شرحه في بداية المقال وجدت له مقابلة دماغية, فالهو يقابل المنطقة التحتية للدماغ والتي تسمى منظومة الطاقة, والانا يقابل المنطقة الوسطى من المخ والتي تسمى منظومة الاستقبال, أما الأنا العليا فتقابل المناطق الأمامية من المخ والمسئولة عن القيم والتقاليد وغيرها من العمليات العقلية العليا والتي تسمى منظومة البرمجة. وهكذا يبقى تأثير المدرستين النفسية : المادية الديالكتيكية ممثلة بأحد رموزها " بافلوف " ومدرسة التحليل النفسي بمؤسسها سيجموند فرويد من المدارس العملاقة في تاريخ الفكر السيكولوجي, وستبقى تأثيراتهما في نطاق البحث العلمي والعلاج النفسي وفهم الشخصية الإنسانية سارية المفعول حيثما يستخدم العلم في دراسة السلوك الإنساني بعيدا عن الشعوذة والخرافات !!!!!.
 

1)personality,2)personalite,3)persona,4)per-sonare,5)persona,6)id,7)ego,8)super-ego,9)consciousness,10)unconsciousness,11)preconsciousness,12)repression



 

free web counter