| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأثنين 13 / 6 / 2016 د. عامر صالح كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
يا للغرابة !!! ما علاقة الحب بالانتماء الديني والمذهبي والعرقي ؟؟؟
د. عامر صالح
(موقع الناس)في زمن ضعف الانتماء للقيم الانسانية العامة والتقوقع حول الهويات الفرعية, الدينية منها والمذهبية والطائفية والعرقية والاثنية, تشتد الهجمة على فطرة الانسان الاولى لتشويه معالم برائتها ونقائها خلافا لطبيعة الوجود الانساني العابر للهويات الفرعية, ويجرى اختزال انسانية الانسان من خلال حصر سلوكه وعوامل بقائه بدين او مذهب او عرق ما, ويحرم عليه ممارسة طقوس بقائه وديموته الا من خلال ما يقرره دينه ومذهبه وثقافته العرقية, وبالتالي ممارسة سلوكيات الاكراه في العيش والوجود الحر الآمن.
والحب كما هو في السياسة من الظواهر الاكثر تضررا جراء الخندقة الطائفية والدينية والعرقية, حتى بات اختيار الشريك مشروطا بتلك الانتماءات التي لاصلة لها بفطرة الانسان الاولى من حيث طبيعة الحب ودينامياته وعوامل الانجذاب نحو الشريك المغاير في الدين والملة. واذا كانت السياسة تستدعي في بعض الاحيان لون من الخندقة الدينية والمذهبية والعرقية, فأن الحب براء من تلك الانحيازات المشوه.
اليوم يشهد عالمنا العربي والاسلامي مزيدا من التعسف والكراهية ويضفي على الحب صورة مشوه, فالعربي لا يحبذ الا شريكة عربية خوفا على عروبته من التلوث, والكردي يتشدد في شروط معاشرته للآخر ويجب ان يكون كرديا حرصا على النقاء العرقي المفتعل, وينسحب هذا تباعا على الاديان والطوائف والمذاهب والملل المختلفة, فالكل لا يقبل الا معاشرة أبناء جلدته, وتجري تصفيات جسدية وعمليات أخذ ثأر وما يسمى بغسل العار على خلفية تنوع الشريكين في المذهب والدين والقومية. أنها خندقة في أسوء صورها للعواطف الانسانية.
أشير هنا الى حادثة مأساوية فريدة من نوعها شهدها صعيد مصر بتاريخ 20 أيار 2016 حينما قام أكثر من 300 شخص بالاعتداء على مسيحية عجوز على خلفية علاقة عاطفية لأحد أقربائها مع شابة مسلمة, وتم تدمير وحرق أكثر من سبع منازل, وتعرية مسنة مسيحية عجوز أمام الناس انتقاما لتلك العلاقة. أنه عملي جنوني ومنبوذ بكل المقاييس الانسانية عندما يصفى ويقتل الانسان على خلفية تنوعه الديني والاثني في إختياره للشريك.
ومن هنا لابد لي من سوق بعض المعلومات الحيادية التي لا صلة لها بالعرق والدين والمذهب. في علوم الدماغ كما هو الحال في السيكولوجية المعاصرة فأن الأسس المادية للحب تكمن في الدماغ وليست في القلب كما صوره الشعراء والأدباء والفنانين في مختلف اهتماتهم, وما القلب إلا سوا عضلة تدفع بالدم إلى مختلف أجزاء الجسم, أما الدماغ فهو كما معروف علميا اليوم مركز الانفعالات والعواطف ومصدرها, ولكن ذلك لا يجري في منطقة متخصصة تخصصا متحجرا بذاتها, بل مجموعة من التراكيب الدماغية ترتبط ببغضها ارتباطا دينامكيا, يطلق عليها علماء الفسيولوجي وعلماء النفس فسيولوجي بالجهاز الانفعالي أو يطلق عليها تحديدا بالجهاز الطرفي, وهذه المجموعة لا تقوم بوظيفتها منفصلة , ولكنها ترتبط بالقشرة الدماغية كما ترتبط بالغدة النخامية ذات الريادية وسيدة الغدد في الجسم, وتوجد أسفل المخ, في قاع الجمجمة. وعندما يرى الشخص محبيه فأن الرؤية تمر عبر جهاز الأبصار إلى قشرة الدماغ البصرية التي تستخرج من خزين الذاكرة ما يرتبط بالشخص المحبوب من انفعالات وأفكار, فتتولد الأيعازات أو الشحنات العصبية التي تحفز الجهاز الانفعالي الذي ينشط فيولد انفعالات تسري في أجهزة الجسم المختلفة, ومنها القلب الذي يختل إيقاعه فتزداد ضرباته, وهذا كله يحدث في سرعة استثنائية خاطفة, مما جعل الشعراء والفنانين يتحدثوا عن القلب باعتباره مصدر الحب لا على الدماغ !!!!
وترتبط أيضا بالمنظومة الدماغية المذكورة أعلاه وتتحكم بمجمل التغيرات والإفرازات الهرمونية المصاحبة لحالات الحب. فقد أكدت عالمة الانثروبيولجيا " هيلين فيشر " من جامعة روتجيرز في ولاية نيوجرسي الأمريكية, أن هناك ثلاث مراحل للحب تخضع لتأثيرات هرمونية وكيميائية متنوعة, وهي كالأتي :
المرحلة الأولى : وهي الرغبة وتكون عادة مدفوعة بالهرمونات الجنسية التستوستيرون والاوستروجين عند كل من النساء والرجال.
المرحلة الثانية : وهي الانجذاب, وهي المرحلة الأكثر رونقا في الحب وذلك عندما تدرك أنك وقعت في الحب ويصبح تفكيرك بالأشياء الأخرى أقل أهمية. وهذه المرحلة بالذات تكون متأثرة بثلاث أنواع من الهرمونات الأساسية, وهي: هرمون الأدرينالين حيث تزداد نسبته في الدم والكورتيزون في المراحل الأولى للحب, فالادرنيالين لديه التأثير الكبير, أي عندما يلتقي الحبيب حبيبه يشعر بالتعرق وتسارع نبضات القلب وجفاف الفم. ثم هرمون الدوبامين, حيث اكتشفت الباحثة المذكورة أعلاه, أن الذين وقعوا في الحب لديهم مستويات عالية من هرمون الدوبامين, هذه المادة الكيميائية تحرض " الرغبة والمكافأة " عبر إثارة اندفاع قوي وشديد للمتعة, أن هذا التأثير ذاته يحصل للدماغ عند تناول المخدرات , وقالت الباحثة " هيلين فيشر " أن الشريكان يظهران إشارات ارتفاع وتدفق الدوبامين زيادة في الطاقة وحاجة اقل إلى النوم والطعام وتركيز الاهتمام على التفاصيل الدقيقة لهذه العلاقة الناشئة. وثالثا هرمون السيروتين الذي يفسر ويجيب على التساؤل لماذا عندما تقع في الحب فأنك لا تتوقف عن التفكير في حبيبك دون باقي الأمور التي تجري حولك.
المرحلة الثالثة : وهي التعلق بالشخص الآخر, وهو الوثاق القوي الذي يجعل الشريكين يستمران معا لفترة كافية لأنها تجعلهم يتأقلمان معا أو ينجبان الأطفال ويربيانهم. ويعتقد علماء النفس أن هناك نوعين من الهرمونات الرئيسية هما المسئولان عن هذا الإحساس بالتعلق, وهما الاوكسيتوسين والفاسوبرايسين. بالنسبة لهرمون الاكسيتوسين أو ما يسمى " بهرمون العناق " وهو هرمون قوي ينتج لدى النساء والرجال خلال ممارسة العلاقة الحميمة, ويزيد هذا الهرمون من عمق العلاقة ويعزز الشعور بالتعلق بالآخر, وهو يجعل الشريكين إنهما قريبان من بعضهما البعض أكثر بعد تلك العلاقة. والاوكسيتوسين أيضا يساعد على تقوية الرابطة بين الأم والطفل ويتحقق ذلك خلال الولادة, وهو مسئول أيضا عن در الحليب عن در حليب الأم بشكل تلقائي لدى سماع صوت طفلها. وقد أكدت الباحثة ديانا ويت في علم النفس من نيويورك من خلال أبحاثها الميدانية انه إذا منع توقف الإنتاج الطبيعي للاوكسيتوسين لدى الفئران والخرفان فان ذلك يؤدي إلى أن أنهم يرفضون صغارهم. وبالعكس فأن حقن الاوكسيتوسين في إناث الفئران والتي لم تمارس الجنس أبدا يجعلها تتودد إلى صغار أبناء الأنثى الأخرى وحمايتهم ورعايتهم كمل كانوا صغارها. أما هرمون الفاسوبراسين وينتج هذا الهرمون بعد ممارسة العلاقة الحميمة ويطلق عليه أيضا " الهرمون المضاد لإدرار البول " ويعمل مع الكلية من اجل السيطرة على العطش, وقد اكتشف دوره المهم في العلاقات عندما كان العلماء يجرون التجارب على الفئران.وقد اتضح لهم أن الفأر ينغمس في الجنس ليست فقط بقدر حاجته للإنجاب, بل إن الأمر ابعد من ذلك. وعندما تم حقن ذكر الفأر بمخدر يقمع تأثير الفاسبوراسين, فأن صحة الفأر تدهورت وخاصة علاقته بشريكيه كما لو أنهما خسرا الوفاء والإخلاص لهذه الرابطة وفشلا في حماية بعضهما البعض !!!!.
الحب هنا ليست له علاقة فطرية بالثقافة من حيث أسسه الفسيولوجية والدماغية, ولكن الثقافة تلعب دور المعرقل والمعيق أو المفجر لطاقات الانسان الكامنة في الحب والتواصل بعيدا عن الشرذمة الطائفية والدينية والاثنية, والحب يسمو فوق كل الاعتبارات باعتباره احد عوامل البقاء واعادة انتاج الحياة وتكريس جمال الوجود بعيدا عن كل مظاهر التعسف والحرمان وعوامل الضغط المجافية للفطرة الانسانية !!!.