| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عامر صالح

 

 

 

الأربعاء 11/3/ 2009



سيكولوجيا الحب الاول في السياسة
الحزب الشيوعي العراقي أنموذجا

د. عامر صالح

محاولة للأجابة على من كان مع او ضد...!!!
ان التجارب العاطفية الاولى تستحضر بقوة بين الحين والاخر الى حيز الشعور , نتيجة لأرتباطها ببداية تشكيل الخبرات العاطفية, وتعتبر من اللبنات الاولى في بناء الشخصية العاطفي على طريق أكتساب المزيد من الخبرات والتجارب.وهي اختبارات صعبة للتأكد من صلاحية الشخصية في التكيف والبقاء مع الجنس الاخر.

وتشكل تجربة الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي لأول مرة في عمر الفرد لونا من الوان هذا الانتماء المشحون بالعاطفة الجياشة والانفعال القوي للأرتباط به. ومن اجبر على ترك الحزب في هذا العمر عانى كثيرا , كما يعاني من اجبر على ترك محبه الاول , حيث تجري الاشياء هنا بالضد من الشعور الذي ينتاب الفرد بأن يكون هذا الحب هو الاول والاخير وبطريقته الخاصة.

أن الخطاب الحزبي في بداية الانتماء وأن كان خطابا عقلانيا يستند الى مادة فكرية وفلسفية رفيعة المستوى تقدم "للمحبين" له, ألا ان الحزب له القابلية على أضفاء مشاعر واحاسيس عنيفة معززة رغبة البقاء في صفوفه, وهي نتاج عمل دؤوب سايكوعقلي ـ معرفي , يترك أثرا عميقا أكثر بكثير من وقع الحب الاول في محبيه, يترك في الشخصية شحنة انفعالية موجبة كما تدرك. وبقدر ما يكون الحب الاول فرصة لتأكيد الذات وأختبار الشخصية, يكون الانتماء الحزبي هو الاخر فرصة ذهبية لتميز الشخصية ضمن ابعاد جديدة وفي سياقات غير معتاده, تشكل فرصا للنمذجة المثالية للشخصية, تمنح صاحبها أمتيازا في بيئة محدودة الامكانيات, وخاصة في صورة الخروج الايجابي عن المألوف, وتشكل مع الوقت احد المصادر الاساسية في التوافق الذاتي ورسم الملامح العقلية وحتى احيانا المزاجية للشخصية أو يأخذ الانتماء شكل المخالفة لما هو سائد او كما يقال"خالف تعرف" في بيئة غارقة في الممنوعات.

أن الانتماء للحزب والاستمرار فيه ان شاء الفرد يجب ان يرتبط بعقلانية رفيعة المستوى في الدفاع عنه. وهذا يأتي عبر التخلص من غرائز الانتماء الاول المفعمة في اللوازم العصبية والانفعالات المؤذية في احيان كثيرة للحزب, والتي يعكسها الدفاع المفرط عنه, وبأي ثمن, وبآليات غير موفقة تلحق الضرر به. وفي حالات كثيرة تسبب شحنة الحرص الزائد (الانفعال المفرط) الى ارتكاب اخطاء ينتظرها من لا يرغب بوجود الحزب كما ينبغي ان يكون.

أن الحزب وبعد مسيرة تجاوزت السبعة عقود تعرض فيها الى هجمات شرسة من اعدائه وحلفائه, وكذلك انتكاسات كبيرة نتيجة لأخطاء ذاتية وظروف موضوعية, وعلاوة على ذلك تعرض حلفائه "الثابتين" في الخارج الى انهيارات كبرى تمثلت في انهيار المعسكر الاشتراكي, والتي ادت ضمن ما ادت اليه الى ان يطال الشك مصداقية العقيدة الماركسية. يحتاج الحزب اليوم الى انتماءات بذهنية جديدة, ترى في الحزب مشروعا عمليا للحياة ومرنا قدر مرونة الحياة...ان عهد" ملائكة" الحزب ودعاة الحرص"المؤذي" لم تزكيهما الحياة. ومن يرى في الحزب ملاذا لتأكيد الذات,لأنه لم يجد في دائرته القريبة الملاذ, فأنه يرتكب أخطاء بحق الحزب, ومن يرى في الحزب وظيفته الدائمة فأنه يخطأ ان يقدم شيئا مفيدا له.

اليوم وبعد هذا الزخم الهائل من التغيرات الدولية والاقليمية والقطرية, فأن الحزب لم يعد حزب"دكتاتورية البرولتارية", ولكنه يستطيع ان يكون بأمتياز حزب البرولتارية, ولا حزب التكتيكات من أجل" أستلام السلطة", ولكن من حقه أن يتطلع الى المشاركة الواسعة في السلطة, ولا حزب بناء" الاشتراكية" على نسق مرجعياتها السابقة, ولا حزب الانضباط الحديدي وفقا "للقواعد اللينينية في حياة الحزب الداخلية" ولكن حزبا منضبطا, حيث تنعدم المقومات الموضوعية والذاتية لذلك. أذن لماذا كل هذه الحملات والهجومات عليه, وخاصة عندما تبدأ الرؤيا بهذا الوضوح. أني اعتقد أن المشكلة في التساؤولات الاتية : ماذا نختار, وكيف نختار, ولماذا؟؟؟ .

علينا أن لا نعطي الظواهر قوة دفع أكثر بكثير من خصوصية الظرف الذاتي والموضوعي الذي تجري فيه.أليست تلك هي سنة الديالكتيك. فمن أراد للحزب خيرا فعليه أن يقلع عن عادات "الحب الاول" في الدفاع عنه, او عادات أخذ الثأر منه والهجوم عليه عندما ينفض العقد معه. ومن أراد أن يكون الحزب "حبه الاخير" فعليه القبول بشروط الحياة, وعلى الحزب المزيد من الاستجابة والتفحص الذاتي, وخاصة بعد تجربة الخمس سنوات من العمل العلني وفي ظروف نوعية جديدة.

أن من يريد أن يكون حزبه حزب الثلاثينيات أوالاربعينيات أو ما يسمى" حزب فهد" فأن ذلك مجافاة للحقائق والتغيرات العميقة على الأرض في الداخل والخارج. وتستحضرني في هذا السياق ليست مقولة لينين (النظرية مرشد للعمل), ولكن من عمق التأرتخ مقولة للأمام علي(ع):"لا تقسروا أولادكم على ادابكم فأنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".أذا كان هذا الحديث في التربية,فكيف يكون الامر في السياسة وهي فن الممكنات. وهل يجوز العودة في السياسة الى أكثر من سبعين عاما الى الوراء!!!, وهل يجوز في السياسة أيضا أن تصاغ سياسات الحاضر وأتجاهات المستقبل لحياة الحزب الداخلية والخارجية على ضوء معايير الثلاثينيات والاربعينيات ونحن في الالفية الثالثة!!!.أن مآثر الحزب وتأريخه النضالي هي ملكا للجميع. ولكنني أتسائل : هل كان حزب" فهد" أنذاك بدون انحسارات او صراعات!!!, وهل كان في برجا عاجيا كي لا يكون كذلك !!!, وهل كان مراقبا للمعارك الوطنية لكي يكون معصوما من الخطأ أم طرفا اساسيا فيها!!!....الاجابات في التأريخ المكتوب وغير المنحاز نسبيا للحزب.

أن من يرى في الحزب " حبه" الاول والاخير عليه ان يكيف نفسه لميكانيزم الحياة المتغيره ابدا وبدون انقطاع. فلا يمكن "السباحة في النهر مرتين", لأن الماء غيره عن المرة الاولى. فالحزب اليوم يؤمن بالديمقراطية الليبرالية على مستوى السياسة والاقتصاد (مع مظلة حقوق أجتماعية واسعه). ويترتب على ذلك ان يكون الحزب واضحا في خطاباته وتحالفاته وحدود انتمائه للعقيدة الكلاسيكية. وعلينا ان نعي حقيقة أن" الحب الاخير" هو ليست صورة طبق الاصل لفلم غير ناطق عن "الحب الاول". وبين" الحبين" تأريخ مشترك يجب العودة اليه ودراسته وتقويمه بعناية وحرص شديدين. وأعتقد أن الحزب الشيوعي ليس حركة ماضوية فهو من الحركات التي تلتصق بالحاضر بشدة . وأذا كان الحب الاول يعبر عن الحاجات الاولى للأنتماء, فأن الحب الاخير هو حب الاحاسيس والانفعالات الهادئه... أنه حب الحياة والاستقرار.





 

free web counter