|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  16  / 9  / 2024                                 د. أكرم هواس                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

كوميديا سوداء … تتمدد..!!..

د. اكرم هواس *
(موقع الناس)

مفهوم الكوميديا السوداء يعود إلى بدايات القرن الثامن عشر في كتابات
Jonathan Swift الذي كان يظهر "السخرية الأليمة" حيال تعامل الاغنياء مع حال الفقراء في أيرلندا و حفلات الاعدامات العبثية حيث اقترح في " 1729 Modest Proposal" انه لكي يخفف الفقراء من اوضاعهم الشائنة ربما عليهم ان يقدموا اولادهم طعاما على مآدب النخبة ..!!.. …

لاحقا تنامت ثقافة "السخرية الأليمة" من خلال فكر
Surrealism عندما تحولت "ثورة باريس من الحرية" إلى حفلات اكثر عبثية للموت الجماعي على المقصلة (يمكن مراجعة كتابات Andre Robert Breton و إنشاء المدرسة السوريالية)

أنا حاولت في هذه المقالة ان ابتعد عن تهمة " الحتمية
Determinism… و لذلك لم استخدم (الـ) التعريفية في عنوان المقالة التي تعني في اللغة العربية القطعية … بمعنى اني حاولت إظهار حسن الظن على فرضية ان العالم لا يعيش حالة نموذجية موحدة Unique Model و لذلك قد تكون هناك نماذج اخرى اكثر جدية تعمل على خلق فضاءات بيضاء / إيجابية جميلة لشعوبها.. لم لا .. فالعالم يعيش حالة فوضى تختلط فيها الصور الذهنيه مع الواقع بشكل يشبه حالة عاصفة هوجاء… و الساذج او المتفائل ربما يؤمن ان العاصفة قد تنتهي إلى اكتشاف كنز عند الباب ..!!..

في الكوميديا السوداء كانت الثيمة الأساسية هي "الموت" و "المشانق/المقصلة" التي لم تسأل يوما "لماذا تقطع هذه الرؤوس"… في اغلب الثقافات لدى المجموعات البشرية المختلفة يمثل الموت قيمة معادلة للحياة… مشهد الإعدام يرسم صورة ذهنية تتعارض مع المنطق .. اي الشك في العقلانية الذاتية
Skepticism الذي بنى Jonathan Swift على اساسه فكرة الكوميديا السوداء … الناس كانت تضحك لانها لا تصدق ان الفقراء يقتلون دون ان يفهم احد لماذا … الموت الذي يمثل رعباً في ذاكرة الانسان كان يحدث و يتوالى دون ان يترك للناس ادراك الاسباب المنطقية لما يحدث … توالي نزول المقصلة و تدحرج الرؤوس كان مضحكا … لكن ضحك بائس مرعب و رهيب… Surrealism او "صدام العقل مع الواقع" …

هكذا ولدت أحجية "الكوميديا السوداء"… و هكذا تولد حكاية ادارة العالم من على مسرح يتابعه الملايين "مرغمين"… حباً او نفاقاً أو اضطرارا"… حيث يقف الحميع حيارى … هل يضحكون ام يبكون ؟… أم ماذا يفعلون…!!..؟

لحظات قبل المناظرة الأخيرة كتبت بوستاً على الفيسبوك: "بينما تتوجه أنظار العالم نحو المعبد العتيد… دعونا نتذكر ان السياسيين و ان اختلفت مناهجهم فهم يمارسون ذات الطقوس … الرقص على احلام البؤساء و على أهواء اصحاب المصالح … هل هناك جديد..؟؟.."…

منذ الوهلة الاولى كان واضحا ان استراتيجية السيدة هاريس مبنية على مبدأ "التهكم" حيث كانت اولى كلماتها "ستسمعون الكثير من المظالم و الأكاذيب" و طوال المناظرة لم تتنازل السيدة هاريس و لم تقل شيئا جديا إلا في ثلاث نقاط أكدت ما ذهبت اليه في البوست أعلاه: الوقوف ضد تدفق المهاجرين الجوعى من امريكا اللاتينية … الوقوف مع تجار السلاح داخل الولايات المتحدة … و الوقوف مع الطرف الأقوى في صراع الشرق الاوسط…. لم تتذكر السيدة هاريس ان الولايات المتحدة تدعي قيادة العالم
World Leadership و ان القيادة لابد ان تجد حلولا لمشاكل الشعوب و لا تتهرب … حتى لا نقول انها تصنع الأزمات بذاتها … لم تبالي السيدة هاريس بحقوق التلاميذ و الافريقيين الذين يذهبون بين الحين و الاخر ضحايا لتجارة السلاح في المدارس و الجامعات و الطرق و شوارع المدن في الولايات المتحدة … كما انها تجاوزت حقوق كل الذين فقدوا استقرارهم و حياتهم .. كل ضحايا طاحونة العنف و العنف المقابل .. كل الذين يموتون من الجوع و الرعب في هذه الزوايا المظلمة من الإنفاق او في الصحراء القفراء في الشرق الاوسط ..

الرئيس ترامب ظهر كتلة صماء حيث "ربما" لان "الالهة" قد اخبروه انه اصبح "ورقة محروقة" … جسد هائل بلا روح… لا حراك فيه سوى الفكين يفتحان و يغلقان في حركة تذكرنا بحركة تلك الآلة التي اصبحت تمثل زمن "الحرية" في فرنسا " الثورة".…دعنا نتذكر الرئيس ترامب حاول ايضا ان يقود "ثورة" ضد الدولة العميقة في الولايات المتحدة … و لكن كانت كلماته جوفاء… لا حياة فيما كان يقوله … اتهم السيدة هاريس بانها ماركسية … ربما لم يخبره احد من مساعديه ان الحرب الباردة انتهت من زمان و شعارات "الشيطان الاحمر" قد حلت محلها التكنولوجيا السايبيرية و
AI …!!..

الرئيس ترامب كرر ايضا تصوراته الشهيرة ان يوقف حرب أوكرانيا بلمح البصر و ينهي مشاكل الشرق الأوسط كذلك .. كيف..؟؟.. لا ندري .. ربما هي ذاتها فكي المقصلة التي اصبح يرددها السيد مدييدف "ترامب روسيا" الذي يخرج بين الحين و الاخر ليهدد بإحراق لندن و برلين و بالأمس هدد بتحويل كييف إلى مجرد قطعة معدن منصهرة ..هكذا دون اي اعتبار لملايين الناس و رؤياتها عن الحرب و السلام … هل تختلف هذه الصور التي يرسمها زعماء العالم الان عن نوستولجيا
Gallow أيرلندا و Guillotine باريس..؟؟!!..

و لعل "اهم" ما قاله الرئيس ترامب هو ان المهاجرين العابرين الحدود الجنوبية كانوا يأكلون القطط و الكلاب يبعث على "الحيرة" الكوميدية… لا ندري ان كان يدافع عن حقوق الحيوانات الأليفة التي لا شك انها تستحق الحياة .. أم انه كان يريد ان يحرم الجوعى حتى من أكل ما لا يأكله هو ..؟؟.. اما السيدة هاريس فان اهم ما قالته هو التشكي من إهمال حقوق النساء في الإجهاض … لكن مرة اخرى ايضا لا ندري ان كانت تتكلم باعتبارها "الرئيسة القادمة" .. ام مجرد ناشطة اجتماعية …

كوميديا هنا و كوميديا هناك … بينما ازمات الفقراء في تسارع رهيب … و هيمنة اصحاب المصالح لا تترك قطرة ماء للعطاشى و لا حبة قمح لديمومة الحياة و لا نسمة هواء للحرية …!!…

هل هذا هو مسرح العالم و شخوصه الحقيقية ..؟؟.. في فضاء الكوميديا يقف العقل عاجزا و الحواس يغشاها النعاس… ربما هناك اشياء لا نراها او ندركها … لكن ربما يمكننا ان نستدرك شيئا وسط الضباب … ان الكوميديا السوداء على قمة العالم خلقت في العالم الثالث و خاصة افريقيا و الشرق الاوسط نخباً سياسية اقتصادية ثقافية … الخ لا تختلف في سلوكها عن تلك التي كانت تشكل المحرك الأساسي في ادارة المجتمع في اوروبا قبل قرنين … اما الحلول المضحكة/ المبكية فانها تقدم كل يوم بشكل "جدي و مقنع" يهلهل لها إعلاميون و فنانون و مثقفون لا يشبهون
Jonathan Swift في روحه … في آلامه و سخريته…

سنتابع….حبي للجميع

 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter