| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل حبة

adelmhaba@yahoo.co.uk

 

 

 

 

 

 

 

حول وثيقة"توجهاتنا في السياسة الاقتصادية" الصادرة من قبل الحزب الشيوعي العراقي
 
 


عادل حبه

طرحت في شهر آب عام 2004 مسودة وثيقة الحزب الشيوعي العراقي التي اصدرها تحت عنوان "توجهاتنا في السياسة الاقتصادية". وجرى على هذه الوثيقة هذه الوثيقة النقاش ثم عرضت على كونفرنس الحزب الذي عقد في كانون الاثني من عام 2005 وتمت الموافقة عليها دون ان يطرأ عليها تغيير اساسي. وبهذا اصبحت هذه الوثيقة الخطة التي سيعتمدها الحزب في سياسته الاقتصادية. ان مبادرة الحزب في طرح "توجهاتنا الاقتصادية" للنقاش قبل اقرارها من قبل الكونرنس الحزبي يستحق الاستحسان خاصة وان الحزب اصبح في وضع افضل كي يقترب من الواقع العراقي بعد ان توفرت له ظروف افضل بعد الاطاحة بالنظام السابق وانتشار الحزب في مختلف بقاع الوطن. ونتمنى ان يتوجه الحزب لاصدار وثائق اخرى لدراسة قضايا اخرى وما اكثرها الحاحاً لشرح المشاكل الكبيرة والخطيرة التي تواجهها البلاد وكيفية التحرر من آثام النظام السابق وتخريبه.
عند القراءة السريعة لمسودة الوثيقة والوثيقة النهائية بدا لي انها قد اعدت من قبل عدد قليل من المعنيين بالاقتصاد العراقي في الحزب دون اشراك وسط اوسع من الحزبيين واللاحزبيين من المعنيين بالمسألة الاقتصادية. ولكن نظراً لتعقيد وصعوبة دراسة هذه المسألة البالغة الحساسية في رسم سياسة اقتصادية لاي حزب عراقي في الوقت الحاضر، فقد كان من الانسب والضروري، وهي تجربة مارسها الحزب في بعض الاحيان في السابق، ان يتم عقد ندوات يدعى اليها اقتصاديون عراقيون على صلة وقرب من الحزب من الذين كانوا او مازالوا على تماس عملي ويومي بالاقتصاد العراقي ومنهم الآن من يتبوء مراكز اقتصادية هامة في البلاد لكي يتم رسم صورة دقيقة لتعقيدات الاقتصاد العراقي وآثارها الاجتماعية الخطيرة ووضع الحلول المناسبة لمشاكله بما يرفع من مكانة الحزب في عين المواطن العراقي. اعود واقول وللاسف ان الوثيقة لا تدل على ممارسة مثل هذا الاسلوب المفيد في صياغة الوثائق في حين ان الحرية المتوفرة الآن تساعد الحزب على القيام بمثل هذه الفعاليات الضرورية. فالوثيقة تفتقر الى الارقام والمعطيات رغم انني اعترف بأن هناك بعض الصعوبة في الحصول عليها الا انه من الضروري تحقيق هذه المسعى لكي تستند الوثيقة الى قدر من المعطيات الملموسة.
في البداية اود الاشارة الى ان المواطن العراقي يحتاج حالياً الى ان يفهم ما يجري على الساحة الاقتصادية العراقية وسبل الخروج من الازمة والشروع بتنمية تضع حد للتدهور الاجتماعي وسيادة الجريمة واللامن في البلاد ولا يحتاج الآن الى خيارات الحزب البعيدة الامد ولا الى المقدمة الايديولوجية التي لا تقدم ولا تؤخر. فالخيار الاشتراكي الذي اوردته الوثيقة هو مجرد دعوة للعدالة بين بني بشر وهي قديمة حديثة وستبقى مهمة نبيلة على البشرية ان تعمل لها الى ان تحين ساعة تحقيقها في عملية ارتقائية. واذا كان لابد للوثيقة من الاشارة الى هذا الخيار فقد كان من الضروري أيضاً تبيان موقف الحزب من تجارب قامت تحت لافتات اشتراكية وان نبين للمواطن العراقي، وبعضه مازال متمسك بهذه التجارب الفاشلة، الكثير من الحقائق المتعلقة بهذا الخيار. ان كارل ماركس دعى الى الاشتراكية دون ان يضع مخططاً لتطبيقها، بل اكتفى باشارات قليلة عنها في البيان الشيوعي ومؤلفات اخرى، في حين قام بتأليف بحثه القيم "الرأسمال" الذي حلل فيه بالتفصيل المقنع طبيعة الرأسمالية دون ان يستطيع بالطبع الاشارة الى مراحلها اللاحقة ولو انه اشار الى حتمية انهيار الراسمالية بعد ان تأتي تشكيلة اجتماعية اقتصادية تتمتع بعلاقات انتاجية وإنتاجية عمل ارقى من العلاقات الانتاجية الراسمالية وانتاجية العمل الرأسمالي، وهو يستند بذلك الى نظريته المعروفة حول "تعاقب التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية". وقد ألف عدد من الماركسيين الاوربيين والروس لاحقاً مؤلفات حول ملامح الرأسمالية في مرحلة ما بعد ماركس وذلك في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وعرفوها بمرحلة الامبريالية. وكان من ابرز من شرح هذه الملامح الاشتراكي الديمقراطي الروسي نيقولاي بوخارين في كتابه "الامبريالية" الذي شرح فيه طبيعة هذه المرحلة دون ان يخرج بأستنتاجات محددة حول افقها. ومن ثم تبعه الاشتراكي الديمقراطي الروسي فلاديمير ايليج لينين ليكرر نفس تصورات بوخارين ولكنه اضاف اليها استنتاجات لم تزكيها الحياة وخاصة اعتباره "الاميريالية اعلى مراحل الرأسمالية وهي الرأسمالية المحتضرة وعشية الثورة البروليتارية"، دون ان يشير الى ان انهيار اية تشكيلة اجتماعية اقتصادية خلال كل التاريخ البشري يأتي نتيجة لعجز هذه التشكيلة عن تطوير انتاجية العمل والقوى المنتجة او تراجع هذه الانتاجية وظهور تشكيلة بديلة في رحم القديمة وقادرة على زيادة انتاجية العمل وتطوير القوى المنتجة على انقاض التشكيلة المحتضرة. ان نبوءة ف. لينين لم تتحقق منذ ان طرحها قبل مائة عام، وبالتحديد عام 1916، بل ونحن نشهد العكس حيث ان انتاجية العمل في التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الراسمالية المعاصرة، التي اعتبرها لينين محتضرة، ما زالت تحتفظ بحيويتها وزيادتها بشكل اسطوري وليس تراجعها ولم تحن بعد ساعة احتضار وانهيار هذه التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الراسمالية. إن نظرة سريعة على مسار الاقتصاد الراسمالي المعاصر يؤكد هذه الحقيقة بالرغم من الازمات التي تعصف بإقتصاديات الدول الرأسمالية وتناقضاتها بين الحين والحين.
 ومن ناحية أخرى علينا ان نعيد النظر بوصفنا للنظم التي كانت قائمة في اوربا الشرقية وغيرها على انها نظم اشتراكية لكي يكون مواطننا على بصيرة من ذلك وان نفتح عينيه على ما نريده نحن بعيداً عن هذه النظم الفاشلة وغير الاشتراكية. فلو كانت هذه النظم اشتراكية لكان اقتصادها قائم على ارفع وتيرة من انتاجية العمل مقارنة بالانظمة الراسمالية، وعندها لا يمكن ان تنهار كما حدث وبهذه السرعة الدرامية وبجرة قلم من يلتسين وتبقى الانظمة الراسمالية التي كنا نعتبرها محتضرة. ان واقع الحال في تلك البلدان التي كانت تسمى اشتراكية كان يشير الى ان انتاجية عملها كان متدنياً ويكاد يقترب من انتاجية انظمة متوسطة النمو من البلدان النامية، ويعاني اقتصادها من ازمات بنيوية حقيقية ولا يتعدى دخل الفرد فيها 1 الى 20 مقارنة مع اغنى الدول الراسمالية. واضيف الى ذلك فلو كانت هذه الانظمة اشتراكية لكان البناء السياسي لهذه الانظمة اكثر استقراراً وديمقراطية واحتراماً لحقوق المواطنين قياساً بالانظمة الراسمالية، وهذا لم يكن قائماً في واقع الامر. فالبلاشفة بعد اكتوبر عام 1917 جربوا الشيوعية العسكرية التي زادت من خراب الاقتصاد الذي كان خرباً جراء الحروب الداخلية والخارجية. وهذا ما دفع لينين الى التخلي عنها لاحقاً لتبني سياسة "النيب"، السياسة الاقتصادية الجديدة، التي كان سداها ولحمتها السير على طريق التطور الرأسمالي واقتصاد السوق. و تنبأ لينين ان سياسة النيب القائمة على اقتصاد السوق ستطبق لفترة ولعقود طويلة في روسيا لكي يزدهر الاقتصاد ويتعاظم الانتاج المادي لسد حاجات الناس من نعمها. واعطت هذه السياسة ثماراً ايجابية في تحسين الوضع الاقتصادي المنهار في العشرينيات من القرن الماضي. ولكن وبعد وفاة فلاديمير لينين وتسلم يوسف ستالين مقاليد الامور سارع هذا الى تطبيق سياسة متطرفة في كل مناحي الحياة والتي ابتدعها غريمه ليون تروتسكي قبله تقضي بتحويل كل المرافق الاقتصادية الى سيطرة الدولة واطلق عليها عبارة "التحول الاشتراكي الشامل". وبذلك تم بناء اكبر نظام اقتصادي لراسمالية الدولة في العالم آنذاك. لقد حقق هذا النظام الاقتصادي نجاحات في بناء الصناعة الثقيلة والعسكرية ولكنها بإنتاجية منخفضة وبتدمير الزراعة على نطاق واسع ولم يتمكن من بناء نظام ارقى من النظام الراسمالي من حيث فعاليته الاقتصادية وقدرته على سد حاجات الناس المعيشية او البناء السياسي الديمقراطي المتين المستند الى ارادة الناخبين. والحقيقة ان فلاديمير لينين والحزب البلشفي لم يكن لديهما مخطط للبناء الاشتراكي. ولم يشير لينين الى الاشتراكية الا ببضع مقالات صغيرة كتبها بعد الثورة حول اتجاهات لبناء الاشتراكية وسرعان ما تراجع عنها.
ان بذور الاشتراكية تنمو في مجتمعات وصلت الى مراحل متقدمة من التطور الاقتصادي والاجتماعي وبناء الدولة العصرية القائمة على القوانين والتي يشارك في ادارتها ابناء الشعب. إنها لاتبنى كما كنا نظن في دول مثل اليمن الجنوبية ومنغوليا واثيوبيا ومصر والعراق وكمبوديا ولاؤوس والصين وغيرها من البلدان الضعيفة التطور والنمو وهو وهم في وهم. فلابد من السير في طريق الرأسمالية لحين استنفاذ دورها التقدمي، كما اشار كارل ماركس، وتعثرها واضمحلالها ليخرج من رحمها تشكيل اجتماعي اقتصادي جديد اكثر فاعلية. ولنا في الصين وفيتنام حالياً خير مثال، حيث قام الحزبان الشيوعيان هناك بالرجوع الى الرأسمالية واقتصاد السوق كطريق للتنمية بحيث استطاعت الصين عبر هذه السياسة وبدعم المؤسسات الرأسمالية العالمية ان تقوم بطفرة لا مثيل لها خلال التاريخ البشري في الاقتصاد والتنمية خلال عقدين فحسب بعد ان تحررت من دوغما رأسمالية الدولة ومخطط واوهام ماو وستالين في بناء الاشتراكية وخرجت الصين من دائرة الفقر والركود الاقتصادي.
 ان ملامح من الاتجاهات الاشتراكية قد نجدها الآن في رحم العديد من المجتمعات الراسمالية المعاصرة وخاصة في تلك الدول التي حكمها التيار الاشتراكي الديمقراطي الاصلاحي الاوربي كألمانيا والسويد وفرنسا والنرويج وبريطانيا وغيرها. ومازالت هذه العملية في تراكم وتطور بفعل نضالات واسعة من السكان المطالبة باقامة مجتمع عادل قائم على توزيع الثروة وفرص العمل والحياة المتساوية. وهذه المجتمعات ليست كما تصفها الوثيقة بأنها "الرأسمالية المتوحشة"، هذا الوصف المقتبس من ادب التيار اليساري المتطرف في اوربا والتي يرددها التيار العروبي والديني المتطرف في عالمنا العربي. ان هذه "الرأسمالية المتوحشة" هي التي حمت العراقيين وغير العراقيين من بطش الديكتاتوريات في بلدانهم ووفرت لهم قدراً من الحياة الكريمة والدراسة لابنائهم بشكل لم توفرها الحكومات في اوطانهم. علينا الكف عن ترديد هذه الاوصاف دون ان نزكي كلياً هذه الانظمة وطابع التشكيلة الراسمالية الاستغلالية، ولكن ان ننظر اليها بعينين وليس بعين واحدة.
تشير الوثيقة في مقدمتها الى ما يلي :"ولئن كان خيارنا الاشتراكي هو الذي يضع البلاد على طريق التنمية الشاملة، اي التقدم المطرد من النواحي الاجتماعية..."، وكأن للحزب مخطط لهذا البناء وهو غير موجود عدا بالاسم دون محتوى الخطوات الواجب اتباعها للوصول الى الهدف الاشتراكي. واذا كان للحزب مخطط لبناء الاشتراكية فلماذا لا يطرحه؟ ان الحديث عن "خيارنا الاشتراكي" في عراقنا الذي يأن من الخراب والدمار الذي احدثه النظام السابق ما هو الا ضرب من البطر والسفسطة.
اعود الى جوهر الوثيقة لاشير الى ضرورة ان تكون الوثيقة مفهومة للقارئ وان يجري التخلي عن استخدام عبارات غير مفهومة او صعبة الفهم خاصة وان هذه الوثيقة ستعرض على المواطن العراقي لكي يتخذ موقفاً ازائها، هذا المواطن الذي عرم لعقود من طرق ابواب المعرفة. ومن هذه العبارات على سبيل المثال وليس الحصر عبارة "الليبرالية الجديدة الاكثر غلواً" و "اصلاح اقتصادي من قناعات مسبقة ذات طابع ايديولوجي" و "إن خصخصة أي مؤسسة او قطاع ينبغي ان تتصف بالشفافية" وغيرها. كما انه من الضروري ان تعمد الوثيقة الى توحيد المصطلحات حول الظواهر والمفاهيم واختيار المصطلح العلمي الصحيح. إننا نرى مصطلحين لظاهرة واحدة وهي رأسمالية الدولة. ففي الوثيقة تتراوح التسمية بين قطاع الدولة والقطاع العام، في حين ان كل من مفهوم قطاع الدولة والقطاع العام يختلفان من حيث المضمون والوظيفة الاقتصادية والاجتماعية، بل ومتعارضتان.
ان العراق قد تحول بفضل "القائد الضرورة" الى بلد خرب في كل المقاييس وميداناً للنهب ومريض اجتماعياً واخلاقياً وثقافياً ولم يعد لدينا ما يمكن ان نستعيد به اقتصادنا وخاصة بالاتكاء على القدرة الذاتية، واننا مكبلون بديون باهضة وتعويضات لا يعلم احد مقدارها خاصة في حالة اثارة ايران لمطلبها بالتعويض جراء العدوان الصدامي على ايران. ولا يمكن التعويل على تلك العناصر العراقية البدوية التي اغتنت بفعل المقاولات التي قدمها النظام لهم والبطانات الفاسدة ان تشكل الراسمال الوطني او الصناعة المحلية التي لم يكن لها وجود جدي اصلاً. كما ان العراق تحول بفعل مغامرات "الاخ" الى بلد منقوص السيادة بسبب مسلسل العدوان على الجيران والتآمر على البلدان العربية بشكل لم تشهده الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها في بداية العشرينيات. وما على العراقيين الا الاعتراف بظاهرة السيادة المنقوصة والتي سيبقى عليها حال البلد لفترة طويلة مهما كانت المزايدات حول المقاومة الشريفة او غير الشريفة والسيادة والمواجهة العنفية لقوى الاحتلال من قبل بعض السياسيين العراقيين او فلول النظام البائد او العرب المنفعلين. فلكي يستطيع العراق الشروع بعملية اعادة البناء فما عليه الا ان يوجه كل جهده نحو العامل الخارجي الذي سيغرف الارباح من عمله في العراق ولكنه سيقوم ببناء البلد المخرب تماماً كما حصل في بلدان اخرى مثل النمور الاسيوية وحتى بلدان اوربية خسرت الحرب بالرغم من الفوارق. ان العامل الخارجي، واعني هنا الولايات المتحدة وحلفائها، سيستطيع بنفوذه وضغوطه ان يحد من الديون على العراق وتجميع المنح من اجل اعادة البناء وان يضغط على المراكز المالية العالمية للمساهمة بهذه العملية. ولا تقوم الولايات المتحدة وحلفائها بذلك من اجل سواد عيون العراقيين بل من اجل مصالحها السياسية وخاصة مواجهتها لاخطر ارهاب عرفته البشرية في التاريخ الحديث اضافة الى المصالح الاقتصادية ومصالح حلفائها وخاصة ضمان تدفق النفط العراقي على السوق العالمية. ان هذا التدخل سيرافقه بالطبع شروط في شكل التنمية يعتمد على دور كبير سواء للقطاع الخاص الاجنبي او العراقي وجانب منها لدوافع سياسية داخلية وذلك بوقف تحكم الدولة بالاقتصاد من اجل الحد من نهب المسؤولين لخزينة الدولة او توزيعها على اوساط معينة والحد من الهدر وانعدام التنمية الفعالة. هذه المظاهر السلبية كانت العامل الاساس في تفريخ ديكتاتوريات متعاقبة، ان كانت في السابق تصب في لصالح الولايات المتحدة وغيرها، فإنها لم تعد اليوم وخاصة بعد انهيار الحرب الباردة تنسجم مع مصالحها وحلفائها الآن. وبالطبع هذا ينسجم لحد ما مع مصالح العراقيين ايضاً في بناء البلد وازدهاره.
ومن هنا لا ارى من الصحيح، كما جاء في الويثقة، تكرار ما جاء في برامجنا السابقة حول سيطرة الدولة على القطاع النفطي. ارى ان يتم الاستعاضة عن ذلك بعبارة الاشراف على القطاع النفطي والاسباب لذلك عديدة. اولها ان القطاع النفطي ومن اجل تطويره يحتاج الى توظيفات مالية ضخمة سواء في ميدان التنقيب الجيولوجي عن المكامن النفطية في العراق او بناء المشاريع النفطية العملاقة. ان تجربة شركة النفط الوطنية العراقية في التنقيب عن النفط لم تكن ناجحة رغم جهود الجيولوجيين والمهندسين العراقيين. فالعلة ليست في كفاءة هؤلاء بل في حاجة هؤلاء الى معدات واجهزة وتكنولوجيا وخبرة كبيرة غير متوفرة ولا يمكن توفيرها داخل العراق، بل موجودة لدى الاحتكارات النفطية العالمية. ان العراق بدراساته المتواضعة لم يستطيع ان يحدد مكامن النفط ولا الاحتياطي النفطي في العراق لحد الآن. وهنا لابد ان يعمد العراق وبإشراف من وزارة النفط الى الاتفاق على عقود مع الشركات الاجنبية تخدم مصلحة العراقيين الى حدود مناسبة. كما ان على الدولة ان تتحرر تدريجياً من مهمات اخرى كتسويق الوقود داخلياً وامتلاك معامل انتاج المشتقات النفطية وتحويلها اما الى القطاع الخاص الداخلي ان كان فاعلاً او القطاع الخارجي حيث ان ذلك يحد من الهدر والتلاعب والاختناقات التي لم تتوقف في بلد غني بإنتاج النفط. اما على نطاق التنقيب والاستثمار فينبغي الاستفادة من الافضل لصالح العراق في ميدان استخدام شركات واحتكارات نفطية متعددة في مجالات محددة دون ان نقدم لها كل الاراضي العراقية كما كان في عهد الحكم الملكي. ان هذه السياسة ستفتح الطريق لتطوير القدرات النفطية العراقية بشكل هائل وهناك تقديرات، ومجرد تقديرات غير محققة، تشير الى ان الاحتياطي العراقي من النفط الخام قد يبلغ المرتبة الاولى في العالم ليصل الى اكثر من 300 مليار برميل. اما اذا بقينا على مبدا سيطرة الدولة على القطاع النفطي فاننا سوف لا نتقدم بخطوات جدية، ولنا في التجربة الناجحة للدول الخليجية المجاورة خير مثال.
بالطبع عند الحديث عن دور الدولة وتقليصه لا يعني ان نتحول الى المثل الامريكي الذي ينعدم فيه دور الدولة كلياً في الاقتصاد وحتى في بعض المرافق الادارية والامنية ويقتصر قطاع الدولة فقط على البريد المركزي وهو المرفق الوحيد الذي يسيطر عليه قطاع الدولة. فالفارق كبير بين العراق والولايات المتحدة ومسيرتهما التاريخية. ان اكبر دور للدولة يتنظر ان تلعبه في العراق يكمن في مهمات توزيع الثروة عن طريق شبكة متينة من النظام الضريبي والقوانين المناسبة للضريبة ومكافحة التهرب من الضريبة على غرار ما هو معمول به في العديد من الدول المتقدمة. كما ان على الدولة ان تلعب دوراً مؤثراً في ميدان مراكز البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، هذا القطاع الذي اهمل ويجب تطويره ويمكنه ان يحصل على موارد كبيرة للدولة وتعود بالنفع على الجمهور كما هو جار في بلد مثل اليابان. وتلعب الدولة دورها في مجالات هامة كالبيئة وفي ظروفنا الملموسة والعناية بالتربة واستصلاحها وترميم وتطوير شبكات البزل وغسل المساحات الزراعية التي اصابها الصبخ. كما ان الدولة ستلعب دورها في سن القوانين المحفزة للتنمية الاقتصادية وحماية مصالح العراق الاقتصادية والتخطيط للتجارة والعلاقات التجارية الخارجية وتعزيز المؤسسات البنكية العراقية ورفدها بمستلزمات القوة والانتعاش والديمومة والاستقلالية. وبالطبع سيقع على عاتق الدولة الاشراف على مكامن الثروات الطبيعية مثل الكبريت والفوسفات والمحاجر وغيرها من افاق الثروة المعدنية التي ينتظر التنقيب عنها عبر مسح جيولوجي علمي ودقيق يستمر لسنوات عديدة بالاعتماد على الخبرة العراقية والاجنبية. ان الاوجه السلبية في التطور الراسمالي في العراق والخصخصة يمكن ان تعالج من خلال حزمة من القوانين التي تصدر تباعاً ومع تحسن الوضع الاقتصادي اضافة الى شبكة متطورة من الضمان الاجتماعي والاعانات المالية والتقاعد كما ورد في الوثيقة نفسها. ولابد ان تلعب النضالات العمالية والمهنية ومؤسسات المجتمع المدني دورها من خلال النشاطات الاحتجاجية اليومية من اجل تقليص السلبيات المحتملة وتعزز من افاق توزيع الثروة الوطنية لصالح المنتجين والعمال والفلاحين وباقي فئات المجتمع. ان الحديث عن القطاع الخاص المحلي فيه قدر من المبالغة لان العقود السابقة وحتى في ظل العهد الملكي لم يسمح لهذا القطاع ان يشق طريقه، كما انه فقد الكثير من مواقعه وفئاته بعد ان تم تهجير اليهود ثم الهجرة الواسعة والنفي للعراقيين في الستينيات والسبعينيات بحجج مختلفة الى خارج البلاد ولهذا لم تتوفر الفرص لتبلور فئة راسمالية وطنية محلية ذات خبرة في العراق.
ولا بد ان يلعب القطاع الزراعي الدور الهام سواء في تكوين الانتاج الوطني وتوفير الغذاء للشعب وتطوير حياة الفلاحين وتقليص البطالة والحد من التراكم الفوضوي في المدن وخاصة بغداد وما له من اثار اجتماعية مدمرة. وهنا على الدولة ان تتقدم بحذر ازاء هذا القطاع البالغ التعقيد في العراق حسب ظروفه الجغرافية. ان افضل طريقة لدعم القطاع الزراعي تكمن في احترام مبدأ ملكية الفلاحين للارض والتدقيق في عملية الاصلاح الزراعي بشكل يؤدي الى تنامي انتاجية هذا القطاع وانتهاج سياسة علمية في الزراعة والارواء بشكل يجري تجنب دمار التربة وانهيار انتاجيتها. وهنا ينبغي التخلي عن تجربة الاستثمارات الزراعية الحكومية والمختلطة عدا المزارع النموذجية ومزارح البحث العلمي الزراعي الواجب العناية بها. وفي هذا الاطار ينبغي التخلي عن فرض اي نمط من انماط المؤسسات والتنظيمات الفلاحية الفوقية والتوجه الى الاخذ بتلك التي تبرز من قبل ارادة ومصلحة الفلاحين وتجربتهم الخاصة وبمبادرتهم الخاصة ايضاً. ان افضل خدمة يمكن ان تقدمها الدولة للفلاحين وللانتاج الزراعي يتحدد في عملية التمويل وقروض البنوك وهي عملية تتظافر فيها الدولة والقطاع الخاص المحلي وحتى الخارجي الذي نحتاج بشكل ملح الى مساهمته المالية والتقنية نظراً لضيق فرص التمويل والقدرة المالية لدى الدولة العراقية في الوقت الراهن اضافة الى تراجع الخبرة المحلية بالزراعة الحديثة. هذه الفرص هي التي ستنعش الانتاج الزراعي وتؤدي الى اعادة بناء الريف الذي تدهور في ظل الحكم البربري. ويمكن للدولة ان تلعب دورها في اصلاح الاراضي واقامة السدود وازالة الملوحة واتباع الطرق الحديثة في الري لتفادي تدهور التربة المتدهورة اصلاً بفعل الاهمال خلال العقود المنصرمة. كما ان من المهم ان تتضمن الوثيقة موقفنا من اهمية اجراء الموازنة المائية في العراق والتي تعثرت وتوقفت منذ عقود. وفي هذا الاطار ينبغي رصد احتياطي المياه السطحية والجوفية ومدى امكانية اقامة مجمعات زراعية في البوادي والاراضي البعيدة عن وادي السواد، الذي دمرت البيئة فيه، وحول ابار المياه الجوفية التي تحوي على خزين مناسب ودائم من المياه للزراعة والمجمعات السكنية، اي التوجه نحو المناطق الريفية الجديدة في المناطق الصحراوية ذات الاراضي العذراء وغير المستغلة والخصبة.
 لقد اغفلت الورقة قطاعاً هاماً من القطاع الزراعي وهو الثروة الحيوانية والسمكية، هذا القطاع الذي تتوفر لديه في العراق كل مقومات الازدهار وان يتحول الى مورد مالي ضخم لو تم العناية به بسبب وجود المراعي الواسعة في كل مناطق العراق وبسبب وجود المسطحات المائية للثروة السمكية اضافة الى منافذنا على الخليج.
اما القطاع السياحي فهو الآخر لم يجر التطرق اليه في التوجهات، في حين ان العراق يملك امكانيات فريدة للسياحة لما يملكه من مواقع آثارية تاريخية فريدة تغطي كل مراحل التطور الانساني والتي لم يعثر الا على 10% من مكامن الآثار، ومراكز دينية مقدسة حيث يتوقع البعض ان تتفوق صناعة السياحة في العراق على مداخيل النفط.
هذه نظرة سريعة على الورقة المقترحة ولا تمسح كل جوانبها بل ابرزها وعسى ان تحظى بالاهتمام وعذراً للاطالة.