| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عادل حبة

adelmhaba@yahoo.co.uk

 

 

 

 

السبت 7/10/ 2006

 

 

"ثقافة" الموت والتدمير وآلام العراقيين و"ديمقراطية القنادر"


عادل حبه

لعل ابشع ما ورثناه من تقاليد وعادات شريرة من النظام العراقي البائد هو اشاعة "ثقافة" الموت واللاقانون والبلطجة في ادارة الدولة والمجتمع، وتبعاً لذلك إمتهان الانسان وتحقيره بحيث لم يعر ذلك النظام الفاسد اية قيمة للبشر، وعاملهم بكل بشاعة وازدراء واستعلاء وخاطبهم ببذاءة. هذه الممارسة دمرت المجتمع العراقي وأواصر العلاقة والوشائج بين العراقيين الى درجة خطيرة، وضعضعت كل المعايير والقيم الاخلاقية. اننا نشهد يومياً الآن كل نتائج هذا العبث وبأبشع صوره. وتكاد تنفرد الديكتاتورية في بلادنا، وبدون مبالغة، بانها لم تقدم للعراقيين الا اعلى اشكال الموت والدمار والتشويه والعبث، مقارنة بديكتاتوريات بائسة أخرى في عالمنا العربي المبتلى بالبلطجة السياسية وحكام قراقوش. كما ان هذه الديكتاتورية كانت على الدوام تتوعد العراقيين، وعلى صفحات جرائدها وتصريحات اقطابها، بما سيحل بهم في حالة سقوط هذا النظا م، الى حد انهم هددوا بتحويل بلد الخير والنهرين الخالدين الى قاع صفصاف. ولم يقف النظام عند هذا الحد، بل راح يطلق سيل من التصريحات البذيئة والشتائم ضد العراقيين في سابقة لا مثيل لها في ممارسات المستبدين بكل ألوانهم ضد شعوبهم. فصحفهم الرسمية وخطابات اقطاب النظام انزلقت الى منحدر مشين، بحيث انها لم تشبع العراقيين بسيول الاذلال والاتهام بالخيانة فحسب، بل وطعنتهم في اخلاقهم وشرفهم وناموسهم. ولعل ما كتبته جريدة الثورة من سلسلة الافتتاحيات المعروفة بعد اندلاع الانتفاضة في عام 1991، هي غيث من فيض ومثال صارخ على ما انتجته اقلامهم الرخيصة ضد شعب هذا البلد العريق.
في الحقيقة ان هذه "الثقافة" تسعى بالاساس الى بناء مجتمع أذلاء، وحرمان العراق والعراقيين من بناء دولة عصرية سداها ولحمتها القانون، دولة تحترم فيها الحريات الفردية وتصان فيها الحريات الديمقراطية، دولة تنبذ كل اشكال الوصاية على العراقيين سواء اكانت بيافطات الدين الزائف وفتاواه او القومية الشوفينية او الوطنية المتطرفة. ولهذه "الثقافة" العبثية جذور في مجتمعنا وفي زوايا التخلف فيه، وهي ليست بالجديدة. فإذا إستعرضنا تاريخ بلادنا ومنذ تأسيس الدولة الوطنية العراقية الحديثة في العشرينيات التي ورثت ارث الاستبداد العثماني الطائفي، لرأينا ان الصراع كل الصراع جرى بين انصار عصرنة الدولة وبنائها على اساس من القانون والديمقراطية وبين الساعين الى إبقائها في حالة من الركود والاستبداد والتخلف والبداوة، ليس في الجوانب الاقتصادية فحسب، بل وفي الجوانب القيمية والفكرية والثقافية والروحية. ولقد تعاظم هذا الصراع حول تحديث المجتمع خاصة بعد اعلان النظام الجمهوري، وبعد أن شرع النظام الجديد بإتخاذ خطوات جدية بإتجاه تهديم اركان قوى المحافظة والركود والتخلف والاستبداد ونفض غباره. و اتخذ هذا الصراع طابعاً دموياً عنيفاً في انقلاب شباط عام 1963، وتعمق في فترة حكم الطاغية صدام حسين، الذي حول الدولة الى "ديوان للسلطان"، والى حكم قراقوشي يتربع فيه الحاكم على مؤسسة جهنمية من أجهزة القمع.
ولم تنهار هذه المؤسسة مع انهيار النظام ، بل نرى ونسمع افرادها والموالين لها و "ثقافتها" موجودة حتى في مؤسسات منتخبة الآن يفترض ان من بين ابرز مهماتها تحديث المجتمع وبناء دولة عصرية قائمة على القانون والمؤسسات المنتخبة. ولكننا، وفي هذه المؤسسات، نفاجأ بإقتراح من نائب في مجلس النواب العراقي بتشكيل لجنة شبيهة بولاية الفقيه الايرانية الفاشلة، وهي الاخرى استبدادية، للاشراف على وضع قوانين للدولة بعيداً عن مجلس النواب المنتخب، وبعيداً عن المحكمة العليا في العراق، وهما الجهتان التشريعيتان المخولتان بإصدار القوانين والاشراف عليها حسب الدستور العراقي الجديد. ويبدو ان هذا النائب لا يسمع ولا يدري، او لربما يتجاهل عمداً، بما يجري من مظاهرات واحتجاجات ضد مؤسسة حكم الاستبداد الديني لولاية الفقيه في ايران، وما تقوم به هذه المؤسسة من اعمال تنكيل فظيع وقتل وتصفيات جسدية ضد الايرانيين. ولم يكتف بعض "النواب المنتخبون" بطرح مقترحات تتناقض مع الدستور، بل راح رئيس مجلس النواب محمد المشهداني يلوح بـ"القنادر" لفرض القوانين التي تتلائم مع مزاجه وسط "هلاهل وقرقعة قنادر" المتعاطفين معه في الرأي. وهنا يبدو ان "ثقافة" الاستبداد قد تكرست وتعشعشت حتى في عقول من يراد منهم الآن ان يزيحوا ذلك التراث البغيض، ويبنوا دولة ديمقراطية حديثة. فأية دولة ستبنى على يد هذه العقول. لو تفوه رئيس مجلس للنواب بهذه الكلمات في دولة تبدي ادنى اشكال الاحترام للقانون، وللشهداء الذين سفكت دماؤهم او قبروا كما جرى في القبور الجماعية في ظل العهد السابق، لما تم الابقاء على هذا "الرئيس" لمجلس النواب، الذي يهدد "بالقنادر"، لحظة واحدة في منصبه الاشكالي. فكيف يمكن تصور ان تدار دولة بعقلية "الضرب بالقنادر" السوقية؟ وكيف يمكن ان نصدق الآن، وبعد كل الدمار الذي خلفه النظام السابق، تكرار نفس العبارات البذيئة للنظام السابق على لسان رئيس اهم مؤسسة تشريعية في "العراق الجديد"؟ أنه لمن الغريب ان لا يتعظ هذا "الرئيس" من مصير من وجه هذه البذاءات ضد الشعب سابقاً، حيث يقبع الان في قفص الاتهام امام محكمة الجنايات الكبرى ويحاكم بتهم خطيرة. ولكن الاغرب من ذلك ان تصدر هذه البذاءة من طبيب يفترض به ان يداوي الناس، لا ان يلحق بهم الاذى و"يلوص" عقولهم وأرواحهم. ان الانكى من كل هذا وذاك هو انه رجل "مؤمن" وعلى جبهته صبغة السواد التي شاعت عند "المتدينيين" الجدد، وكأنه لا يعرف ان الخالق لم يأمر باللجوء الى القندرة!!!، بل قال :"وجادلهم بالتي هي أحسن" او "ادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"!!. يبدو ان هذا "الرئيس" قد نسي حكمة التاريخ التي تؤكد أن حبل الاكراه قصير. ان "القضية الملحة للقنادر" التي أثارها رئيس مجلس النواب نطرحها امام العراقيين كي يتدبروا امرهم، ويتفادوا الخطر الداهم، ويعيدوا النظر في من انتخبوهم، ويتخلوا عن خيارهم الخاطئ في اختيار مثل هذه النماذج المسيئة للقيم والاخلاق والخطرة على المجتمع، والتي تسعى الى عودة عجلة التاريخ الى الوراء.
ان هذا المشهد الدرامي "للقنادر" وهي تتطاير في بهو مؤسستنا التشريعية هو تعبير عن التراث الذي مازال يهيمن على عقول البعض من العراقيين وعن تغلغل اعوان النظام السايق في مؤسسات الدولة، وعن المحنة التي نعيشها وأسبابها، بل وعن الكارثة الكبرى التي احاطت بالعراق منذ عقود، وتحيط به اليوم، حيث فقدت في ارض الحضارات لغة الحوار والتسامح والتعامل الانساني ورعاية الادب والاخلاق في مخاطبة بعضنا البعض. ان هذه الظاهرة هي جزء من المساعي المحمومة القديمة الحديثة لردع اية فكرة او خطوة او مسعى نحو التنوير والعقلانية وعمران البلاد ورفاه ابنائها.
فبعد تموز عام 1958 مباشرة، سارعت نفس القوى المتخلفة وقوى الاستبداد، وفي طليعتها حزب البعث، وتحت ستار من شعارات دينية وقومية متطرفة، بالتصدي لمساعي بناء البلد. وعندها بدأت طاحونة التدمير والقتل والاغتيالات بعد سويعات واسابيع من انتصار الثورة. فتم حرق مستودع الكيلاني النفطي، ثم شرعت قوى الظلام بإثارة النزاعات المذهبية او التلويح بورقة الدين والقومية برياء لعرقلة كل مسعى لاشاعة المساواة بين افراد الشعب بغض النظر عن دينهم ومذهبهم وقوميتهم. وهكذا تم في بداية مسلسل الموت إغتيال اول شخصية ديمقراطية في تكريت بعد اسابيع من ثورة 14 تموز، وهو الشهيد الحاج آل سعدون على يد البلطچي صدام حسين، كأول ضحية من مسلسل الضحايا التي جاوزت الالآف. ثم شرع بتفريغ مدن بذاتها في العراق او في بعض احياء بغداد من مواطنيها، تماماً كما يحدث الآن، من أجل تحويلها الى مراكز لعبث قوى الظلام والتخلف والردة والجريمة. وفرض على اهل هذه المناطق والمدن الرعب والترويع، ومورست ضدهم مختلف اشكال العسف والموت والتهجير القسري، تماماً كما يجري الآن، تحت ذريعة كاذبة آنذاك في تحقيق "الوحدة العربية"او مكافحة "الكفار" وغيرها من الخزعبلات. ولكن حبل الكذب قصير، فهم لم يحققوا وحدتهم عندما خطفوا السلطة في إنقلاب 8 شباط المشؤوم، واشاعوا الصراعات بين الدول العربية. وتسعى اليوم فلول نفس تلك القوى الى تحقيق نفس الهدف تحت واجهات أخرى وذرائع أخرى مثل "مقاومة" المحتل او "التباكي" على سيادة العراق وهم الذين استباحوه، وامعنوا في قتل العراقيين بالمئات يومياً، في مسعى لعرقلة بناء البلد.
أن من يتابع ما يجري الآن على الساحة العراقية من ممارسات يندى لها الجبين، لا يمكن الا وأن تعود به الذاكرة الى ممارسات شاعت في عهد النظام المنهار بكل تفاصيلها دون ان تنبري إذاعات وتلفزيونات لتسجيلها وعرضها على الناس كما يجري الآن. فطريقة التدمير واحدة واسلوب الذبح واحد واساليب الدعاية والتوجيه والاعيب المخابرات والامن وخططها واحدة، ولا تختلف قيد انملة عن ممارسات النظام السابق ومرتزقته مهما لبس هؤلاء الآن أنواع "العمائم" وأطالوا من "لحاهم" او "سودوا جباههم" ليتقنعوا بقناع "التقوى" الكاذبة. أذكر و بعد انتفاضة عام 1991، شرع المواطنون بالهجوم على المراكز القمعية في غالبية المحافظات العراقية، وحصل بعض المواطنون على افلام وصور فوتوغرافية كثيرة تحكي عن ممارسة هي نسخة طبق الاصل لما يقوم به ادعياء "المقاومة" من ذبح وقطع رؤوس واغتصاب وقتل. لقد اطلعت على نماذج من تلك الصور الفوتوغرافية وقتذاك والتي عثر عليها في مراكز القمع في كركوك. إنها نسخ مكررة لما يجري الآن، نساء شابات قطعت رؤوسهن، وشباب في عمر الزهور قطّعت اوصالهم، اضافة الى افلام مرعبة حول إعدامات غريبة بث البعض منها على شاشات التلفزة بعد الاطاحة بالنظام. ان اليد والمدبر والعقلية التي نفذتها هي نفسها التي تعبث بأرواح العراقيين الآن. وهو امر طبيعي لان كل هؤلاء لم يمسهم التغيير وبقوا مطلقي السراح ليعبثون في البلاد ويلقون الملاذ في بلدان الجوار، ويمولون اما من مضيفيهم او من تلك الاموال التي نهبها اقطابهم من افواه العراقيين.
ومهما قيل عن هذه "المقاومة" شريفة كانت ام غير شريفة وللتضليل، ومهما طبل لها البعض، ومهما حملت من أسماء مغرية دينية كانت ام قومية، الا ان أحداً لا يستطيع ان يتستر على جوهرها ومعدنا الحقيقي: فهي مجرد عصابات قتل وجريمة من فلول النظام السابق وحزب البعث، هيئها النظام مسبقاً كي يستخدمها في حالة سقوطه كي تمهد لعودته من جديد، اضافة الى مجاميع من المجرمين المحترفين من الذين اطلق صدام سراحهم كي يخدموا نفس الغرض، أي القتل والاختطاف والسطو على اموال الدولة والمواطنين والاغتصاب واحتلال مناطق بذاتها للتحكم في مصيرها وتحويل سكانها الى رهائن. كما استعان النظام السابق واجهزة مخابراته وقبل سقوطه بجمهرة من المهووسين المتطرفين الدينيين الاجانب العرب وغير العرب. ولقد كلف هؤلاء بمهمة لايجرأ انصار النظام السابق على القيام بها، الا وهي المهمات الانتحارية والاجساد المفخخة. لقد بلغ عدد هؤلاء الاجانب الذين فجروا انفسهم في المدن العراقية وسفكوا دماء عشرت الالاف من العراقيين منذ بداية سقوط النظام ولحد الآن قرابة 5000 متطرف، بإعتراف ابو حمزة المهاجر.
ومن أجل لملمة قواه وتحشيدها، يقوم انصار النظام السابق بأحياء الخلايا النائمة في داخل العراق وخارجه من أجل تنفيذ خطته في زرع عدم الامان في المجتمع وتخريب البنى التحتية وارعاب ذوي الكفاءات والاختصاص كي يغادروا البلاد، والتغلغل في المؤسسات الامنية والعسكرية وفي الاحزاب من اجل خلق حالة من المواجهات القومية او المذهبية. إن من سيطر على بعض المدن وأحياء فيها هم في غالبيتهم من انصار النظام السابق. والامر لايحتاج الى مهارة في تحديد ذلك، فان "وشم النسر" على أكتاف هذه العناصر الشريرة، وهي تقليعة كانت رائجة في عهد صدام، لكافية من اجل توجيه اصابع الاتهام في ارتكاب اعمال القتل والتدمير الى هذه الفئة وهي المسؤولة عن عدم الاستقرار، بغض النظر عن الانتماء الظاهري الحالي لهذه الزمر. يذكر لي احد قادة الاحزاب العراقية انهم عثروا قبل سنوات على اضبارة كاملة حول مسؤول مجموعة مقتدى الصدر في مدينة كركوك واسمه عبد الفتاح الموسوي الذي ارتكب اعمال قتل شملت 11 مواطناً عراقياً من شيعة التركمان في عهد صدام، والقائمة تطول عند الحديث عن كوادر أخرى من هذه المجموعة. ويتحدث احد المعارف عن انه رأى "وشم النسر" على كتف العديد من انصار جيش المهدي، كمؤشر على سوابق ارتباطهم بالنظام السابق واجهزته. انهم بقوا لولائهم لرؤسائهم السابقين رغم توبتهم الشكلية امام "السيد". إن هذا التيار و منذ سقوط النظام والى الآن كان طرفاً في عدم الاستقرار والقتل والتهديم والنهب في البلاد مما يعزز ولائها لاسيادهم السابقين. وتثير تصرفات هذه المجموعة الكثير من التساؤلات حول مصدر تمويلهم وتزويدهم بالاسلحة والتدريب. و يشير المطلعون عن قرب على هذه المجموعة ان مجموعات منها تعمل بشكل مستقل عن حتى سيطرة مقتدى الصدر وادارته. ولا يشذ عن ذلك تلك المجموعات التي تكونت في الاصل من التوابين من الاسرى في ايران وغالبيتهم من افراد الجيش الشعبي البعثي وغيرها من المؤسسات الصدامية التي لبست لبوس التقوى الكاذبة، والتي تنخرط في الميليشيات المسلحة وتعبث بأمن البلد.
اما في الطرف الآخر فلا يكتم انصار المجاميع المسلحة وبصراحة عن ولائهم للديكتاتور السابق، حيث طالب البعض مما يسمى بالعشائر باطلاق سراح الديكتاتور كشرط اساسي في اية عملية "مصالحة". ويتزايد ولاء هؤلاء لفلول الحكم السابق، بعد ان كانوا على عداء مع النظام قبل سقوطه، نتيجة للممارسات الطائفية والواجهة المذهبية التي اتخذها الصراع السياسي. هذه الواجهة الخطيرة التي انجرت اليها، عن جهل اوغباء سياسي، الاطراف المذهبية في الطائفية الشيعية، مما غذى فلول النظام السابق بالقوة بدلا من السعي لتضييق الخناق السياسي عليه. ويعرّض هذا الشكل من المواجهة الالاف من الابرياء من كل الطوائف الى اعمال قتل وحشية عشوائية مما يهدد البلاد بحرب طائفية تشمل البلاد بكل ارجائها، وهو ما يخطط له ازلام النظام السابق واخلاف الزرقاوي من التكفيريين العرب. ومما يلفت النظر في هذه الاستباحة للدم انها تشمل اناساً بسطاء ليس لهم ضلع في المضاربات المذهبية المفتعلة الآن. فهي لا تشمل رموز هذا التأجيج الطائفي، مما يوحي بأن مدبري ومروجي هذه الفتنة هم من طينة واحدة وجهة واحدة، ولا يمكن ان تكون الا فلول اجهزة الامن والمخابرات السابقة. فما يجري يتخذ طابعاً مخابراتياً واضحاً وتخطيطاً لاجهزة التخريب السابقة.
ومن اجل تنفيذ جريمتها وتبريرها، بأمل احياء سلطة الديكتاتور السابق من جديد، تحشد فلول النظام المنهار وأجهزة مخابراته كل امكانياتها على الجانب الاعلامي والحرب النفسية ضد العراقيين. ان هذه الزمر هي اكثر من استفاد من حيز حرية الاعلام التي توفرت بعد التاسع من نيسان عام 2003 من أجل اصدار صحف ومراكز اذاعية وتلفزيونية وشبكات الانترنت ولا يحتاج ذلك الى دليل لاثبات هويتها بسبب ما تملكه من امكانيات مالية كبيرة. فما تنشره وتبثه هذه الجهات هو خير دليل على من يقف وراء هذه المؤسسات الاعلامية. كما انه استعان بشبكة خارجية صرف عليها الملايين قبل سقوطه من اجل تحقيق نفس الغرض وحرف انظار الرأي العام الخارجي عن المسبب الاصلي لالام العراقيين حالياً، اي فلول النظام السابق وأجهزته. إن اسلوب الاشاعات وبثها وطريقة نقل الاخبار هي طريقة استخدمها النظام سابقاً في تشويه وحرف انظار الناس عن المسؤول الاصلي عن محنتهم. فقتل الاكاديميين وتهجيرهم، كما تصفه هذه الاوساط، هو عمل من اعمال اجهزة مخابراتية معادية وليس فلول النظام السابق. وان قتل واغتيال كل ضابط يستمر في الجيش العراقي الحالي هو الاخر من صنع "الصهاينة" وغيرهم في حين ان غالبية هؤلاء الضباط كانوا يتسلمون تهديدات يومية مستمرة في حالة رفضهم للتعاون مع فلول النظام السابق او الاستمرار في خدمة الوضع الجديد، والا سيكون مصيرهم القتل كما حدث للعشرات من الضباط السابقين في الجيش العراقي. وتتراكم الدلائل لتشمل كل من قام بتهديم العاصمة وحرقها وحرق مدن عراقية أخرى على يد فلول النظام وحلفائه من الارهابيين القادمين من وراء الحدود.
واطلقت اجهزة النظام السايق في الخارج كل امكانياتها السابقة اضافة الى احياء خلاياها النائمة في زوايا مختلفة وبواجهات مختلفة "قومية" كانت ام "دينية" او ممن رجحوا التعاون مع اجهزة النظام السابق من اعضاء سابقين في احزاب سياسية عراقية قومية او دينية او حتى شيوعية ممن كانوا على صلة دائمة بالسفارات العراقية في الخارج، او لديهم مصالح اقتتصادية مع النظام خاصة في فترة الحصار على العراق. ويعمل كل هؤلاء في نسق وبهدف واحد هو التستر على جرائم النظام سابقاً وحالياً ومسؤوليته عن الجرائم والتدمير الحالي بذرائع حول "شرعية المقاومة"، وحرف انظار الرأي العام عن المسبب الحقيقي لالام العراقيين في الوقت الحاضر وعن المعرقل لاستقرار العمل السياسي واعادة اعمار البلاد. فهؤلاء يبررون تدمير شبكات الري والكهرباء والمدارس والاسواق والمستشفيات ويهللون للاحتقان الطائفي بحجة مهلهلة حول "مقاومة المحتل".
والآن اصبح واضحاً للقاصي والداني، واصبح "اللعب" على المكشوف كما يقول المثل العراقي، كما اصبح واضحاً حتى لمن كان يؤوي هذه الزمر عن جهل، ان القوة الرئيسية التي تقف وراء هذه الاعمال الاجرامية في العراق هي فلول النظام وحلفائه من التكفيريين الذين استوردهم منذ حملته "الايمانية"، ويستوردهم الآن النظام لقتل العراقيين وتهديم بلدهم. كما يتلقى هؤلاء الاسنادفي الخارج من شبكة واسعة لمخابرات اقليمية مجاورة ولوجستية ومالية كبيرة لتغذية واستمرار موجة التدمير والقتل في بلادنا. فبالاضافة الى ما نهبه النظام السابق من اموال الدولة العراقية، فهناك شبكة فعالة تؤمن الاحتياجات المالية من اثرياء الارهاب خاصة في دول الخليج. انه من المنطقي ان يطرح السؤال التالي: مثلاً لماذا تستمر العمليات الارهابية في دولة مثل العربية السعودية والكويت في حين لا ترى لها اي اثر في بلدان مثل قطر والامارات وبعض بلدان الخليج الاخرى؟ الجواب نجده في الشارع في هذه البلدان ويعرفها القاصي والداني هناك، إذ ان هذه الدول وشيوخ الارهاب فيها يبتزون حكامها ويلوحون بالويل والثبور في حالة منعهم من جمع التبرعات "للمجاهدين" سابقاً في افغانستان والآن في العراق. وهكذا يدفع العراقيون ثمناً باهضاً من دمائهم ومستقبل بلادهم لتأمين امن هذه المشايخ. ان هذا المصدر المالي كما يشير العديد من مواطني هذه البلدان يشكل المصدر الاساسي لتغذية اعمال التدمير في العراق.
ان هذا السرطان الارهابي والتدميري والصدامي الذي يراد له ان يستشري في العراق الآن سوف لا يفرق بين العربي والكردي والتركماني والكلداني والاشوري، ولا بين السني والشيعي والصابئي والمسيحي، ولا بين الدليمي والنجفي او السامرائي والتكريتي و"العمارلتي"، فالكل سواسية في حقل تجارب فلول النظام السابق كما كان الحال في عهد حكمهم. وما على العراقيين الا اليقظة والرجوع الى الحكمة والعقل بنبذ العنف والتحرر من "قيود الاسلحة والمفخخات" وعدم الانجرار وراء اوهام وفتاوى ودعوات تفرق العراقيين ولا توحدهم، ولا وراء شعارات حق يراد بها باطل كما يجري الآن. وهذا هوالطريق لخلاص الجميع من المحنة.