|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  23  / 1 / 2016                                 عادل حبة                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

بيت الشعب أم بيت حزب وتيار سياسي واحد؟

عادل حبه
(موقع الناس)


البرلمان الحديث هو بيت وحاضنة لكل التيارات والأحزاب السياسية التي تؤمن بالديمقراطية وبالصراع السياسي السلمي وبالتعددية، وبالطبع لا يتم الحظر على المشاركة في الانتخابات والجلوس على مقاعد البرلمانات الحديثة سوى على الأحزاب والتيارات السياسية التي تنتهج العنف وتمتلك الميليشيات المسلحة والمنظمات الإرهابية. ويمكن ملاحظة كل هذه الميزات في غالبية الدول الديمقراطية الحقة، ولا يمكن أن توجد في الدول المشوّهة للديمقراطية والدول الاستبدادية التي لا يتم تعيين "ممثلي الشعب" للجلوس على مقاعد البرلمان أو مقاعد مجالس الشورى سوى لون واحد من "ممثلي الشعب" موالي للحكام والسلطات التنفيذية، حيث يجري اختيارهم أما من قبل الحاكم المطلق أو من قبل لجان وهيئات غير منتخبة "تغربل" وتحرم من عضوية البرلمان الشكلي أو خوض الانتخابات كل من يشتبه بعدم ولائه "للزعيم" أو "المرشد" غير المنتخب من قبل الشعب إن مورست هذه الانتخابات ، كما يحدث مثلاً في غالبية دول مجلس التعاون الخليجية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وليس انتخابهم ومن مختلف التيارات السياسية كما هي في الدول الديمقراطية الحديثة.

أورد هذه المقدمة بالتزامن مع الاستعدادات لخوض انتخابات مجلس الشورى الإسلامي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وانتخاب بعض الهيئات التي نص عليها الدستور الاسلامي الإيراني، ومنها انتخاب بعض من أعضاء مجلس الرقابة أو الحراسة "شوراى نڱهبان". وتجري هذه الانتخابات في ظل دستور ملتبس جرى إقراره على عجل بُعيد انتصار الثورة الإيرانية في ربيع عام 1979. فالدستور، من ناحية، ينص على مواد تبيح للمواطن الإيراني حرية الفكر والعقيدة وانتخاب ممثليه والمشاركة في إدارة شؤون البلاد.

فتنص المادة 6 من الدستور على أنه "يجب إدارة شؤون الجمهورية الإسلامية الإيرانية على آراء الشعب عن طريق الانتخابات: انتخاب رئيس الجمهورية وممثلي مجلس الشورى الإسلامي وأعضاء المجالس المحلية وغيرها، أو الاستفتاء في مناسبات أخرى ضمن قانون محدد ينبغي سنّه". كما تنص المادة 3 وفي البنود 6،7،8 على ما يلي: " إلغاء أي نوع من الاستبداد واحتكار السلطة..، و تأمين الحريات السياسية والاجتماعية...، والمساهمة العامة للشعب في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي..". وكل هذه البنود تتماشى مع المعايير الديمقراطية.

إلاّ أن كل هذه النقاط الإيجابية تُضرب عرض الحائط عندما ينص نفس الدستور على أعطاء صلاحيات لأشخاص وهيئات غير منتخبة، وسن مواد وبنود تكرس الاستبداد المذهبي واحتكار السلطة وعدم الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية. فقد أقر الدستور مبدأ"ولاية الفقيه" و مقام " المرشد" للثورة ليتحكم بكل صلاحيات السلطات الثلاث. ففي المادة 110 من الدستور حول وظائف وصلاحيات المرشد، يشار إلى ما يلي حول صلاحياته:" تعيين السياسات الكلية لنظام الجمهورية الاسلامية... والرقابة على تنفيذها واصدار الأوامر حول الاستفتاء وقيادة القوات المسلحة واعلان الحرب والسلام ونصب وعزل فقهاء مجلس الحراسة والمناصب العليا في السلطة القضائية ورئيس أجهزة الراديو والتلفزة وقيادة الحرس الثوري وقادة القوات المسلحة!!. كما تنص هذه المادة على حكم انتخاب رئيس الجمهورية أو عزله وقرارات العفو عن السجناء". ولا ندري ماذا بقي من صلاحيات للهيئات المنتخبة سواء رئيس الجمهورية أو مجلس الشورى الاسلامي أو السلطتين القضائية والتشريعية.

ولم تقتصر مواد الدستور على هذه التناقضات التي تتضارب مع حق الشعب في إدارة شؤونه، فراحت بعض مواد الدستور تسمح بتشكيل هيئات غير منتخبة ذات صلاحيات واسعة في الرقابة على الانتخابات، بما فيها نقض القوانين التي تصدرها الهيئات المنتخبة أو حذف أسماء المرشحين للانتخابات أو حتى نقض نتائح انتخابهم تحت يافطة عدم صلاحيتهم لاشغال مناصبهم. والمثل على ذلك "مجلس الحراسة". فالمادة 99 من الدستور تنص على:"يتولى مجلس الحراسة الرقابة على انتخاب رئيس الجمهورية وانتخابات مجلس الشورى الاسلامي والرجوع إلى آراء الرأي العام والاستفتاء". كما تنص نفس المادة على أن :" مجلس الشورى ليس لديه أي اعتبار قانوني إلاّ إذا جرت الموافقة على انتخاب 6 حقوقيين لعضوية مجلس الحراسة". وتنص المادة 94 على: وجوب إرسال كل قرارات مجلس الشورى الاسلامي إلى مجلس الحراسة للتدقيق في مدى تطابقها مع المعايير الاسلامية". وهكذا لم يبق لمجلس الشورى المنتخب أي اعتبار ودور حقيقي في إدارة شؤون البلاد، كما نص الدستور الملتبس على فقرات أخرى. ومن المعلوم إن مجلس الحراسة هو هيئة غير منتخبة من قبل الشعب، حيث يتم تعيين نصف أعضاء الهيئة من رجال الدين من قبل المرشد، ويتم اختيار الستة الآخرين من قبل مجلس الشورى!!.

وعلى أساس هذه القواعد تسير الآن التحضيرات للانتخابات القادمة. فقد بدأت "ماكنة" مجلس الحراسة بالدوران لمنع وصول أية شخصية لا تتبنى المشروع المتطرف المعادي للديمقراطية في إدارة شؤون البلاد، خاصة بعد انتعاش واضح للتيارات الإصلاحية المناوئة للاستبداد المذهبي بعد التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران و دول 5+1، والشروع بفك العزلة عن إيران دولياً. وشرعت هذه الماكنة بحذف عشرات المرشحين مما أثار نقمة الناخبين الإيرانيين، وبمن فيهم رئيس الجمهورية المنتخب السيد حسن روحاني.

وكرد فعل على هذه الإجراءات المناوئه لحق الشعب الايراني في اختيار ممثليه، توّجه الرئيس روحاني بخطاب إلى "المرشد" جاء فيه:"إذا كان الهدف أن يحتل طيف واحد مقاعد المجلس، فما هي الضرورة في إجراء الانتخابات. إن أسم المجلس هو بيت الأمة، وليس بيت طيف وتيار واحد، ومن حق الشعب انتخاب أفضل المرشحين. ولا يمكن أن يكتسب أي فرد مشروعية منصبه دون أن يختاره الشعب في انتخابات المجلس القادمة التي ستجري في 26 من شباط القادم". ويستطرد روحاني في خطابه:" كحكومة معتدلة ، فإن قلوبنا مع انتخاب نواب معتدلين... لقد نص القانون الاساسي على أن يكون لليهود وللزرادشتيين والأرمن والآثوريين ممثليهم في مجلس الشورى، فإن من حق التيار الذي يبلغ أنصاره 7- 10 مليون مواطن إيراني أن يكون هناك من يمثله في مجلس الشورى أيضاً. يجب اتباع الحياد في الانتخابات القادمة، وأن ندع بيت الأمة يشكل مرآة حقيقية لتركيبة الشعب، وليس بيت لطيف وتيار وحيد.

كما يجب أن ندرك بأن الشعب هو صاحب القرار في إدارة البلاد وولي نعمتنا. وإن الشعب هو الذي يمتلك صلاحية حذف هذا المرشح أو ذاك، وأن يختار من يمثله في المجلس القادم..الخ.

إن الضغط الشعبي المتزايد ضد محتكري السلطة في ايران، والخطاب الهام الذي وجهه الرئيس روحاني إلى المرشد ترك أثراً كبيراً، بحيث بادر المرشد بسرعة إلى إعلان انتقاده لمجلس الحراسة وإقدامه على رد صلاحية المرشحين من التيار المعتدل. فالمعركة الانتخابية القادمة ستشهد نزالاً حاداً بين أنصار التطرف والاستبداد وبين أنصار الاعتدال واحترام رأي الشعب، وهو امتداد لكل التاريخ الايراني الحديث منذ ثورة المشروطة الديمقراطية في عام 1905 وحتى الآن.

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter