|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  30  / 8 / 2024                                أسامة عبدالكريم                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

تأملات في "التركيب الفني" للفنان التشكيلي عباس الكاظم:
قدّاس إلى صديقي كامل شياع

أسامة عبد الكريم
(موقع الناس) 

تعتبر الأجزاء أو العناصر التشكيلية التي تُكوّن العمل الفني كوحدة عضوية من أهم ما يميز القيمة الجمالية له. إذ تتفاعل المادة والأبعاد الشكلية والتعبيرية داخل العمل الفني لتخلق تجربة فنية متكاملة. وفي تركيب الفنان التشكيلي عباس الكاظم، الذي يضم التصوير الضوئي والنحت والفيديو والرسم، بعنوان "قدّاس إلى صديقي كامل شياع"، نكتشف بدايةً العنصر الشكلي الذي يعبر عن ملامح الإنسان العراقي، وهي الصورة الضوئية (الفوتوغرافية) للشهيد كامل شياع عبدالله، الذي كان مستشارا ًثقافياً في وزارة الثقافة منذ عام 2003، وقد اغتيل قبل عام على يد مسلحين إرهابيين أطلقوا النار من مسدسات كاتمة للصوت على سيارته في وضح النهار في وسط بغداد. كان شياع كاتباً وباحثاً، وقد أتم أطروحته في الماجستير حول اليوتوبيا في بلجيكا. وقد ناضل شياع بفكره وقلمه ضد نظام صدام والفاشية البعثية، ثم عاد إلى بغداد بعد سقوط الدكتاتور لاستعادة وطنه.

تظهر صورة الشهيد شياع في التركيب الفني من خلال حركة يده اليسرى، مما يجذب انتباه المشاهد ويتيح له التفاعل مع الألم الذي يعبر عن التراجيديا، كوسيلة للتعبير عن التحدي ضد الموت. لا يقدم الفنان الكاظم صورة شياع كرمز للألم فحسب، بل كرمز للثقافة العراقية المعاصرة في زمن القتل على الهوية. الصورة الضوئية للشهيد تعكس العذاب والغضب والثأر والتحدي، ويبدو أن شياع يبحث عن قاتليه بين المشاهدين أو يراقبهم، كأنه يقبض على وجوههم في الشارع أو على طريق محمد القاسم الذي اغتيل فيه.

استخدم الفنان الكاظم أيضاً كتلة نحتية تتكون من كرسي ومصباح كهربائي مضاء، كرمز للفكر التنويري الذي حمله شياع. المصباح يضيء وسط مشهد مسرحي، مما يساهم في تحريك الفراغ حول مقعد الكرسي الذي صنع خصيصًا للمجرم.

يمتلك الفنان الكاظم القدرة على تحويل الصورة المجردة المندمجة إلى تجربة فنية، من خلال أحاسيس مضطربة ونظرة جدية. عبر التصوير الضوئي وتوزيع أدواته، يخلق الكاظم أجواء سوريالية تحفز خيال المشاهد على البحث عن الحقيقة والتفسير والجمال البصري.

ومن خلال هذا العمل، أراد الكاظم أن يبرز أن اغتيال المثقفين في أي مكان في العالم يمثل منطق الإقصاء وإبعادهم عن أدوارهم التنويرية والتوجيهية. إنه تعبير عن الجريمة المنظمة في مستوى النفسانية، يعكس واقعاً مادياً وتاريخياً معيناً، وهو بمثابة فاجعة وثقافة وطنية تتعرض للتهديد.

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter